(المعنى..) (الشروط..) (نصر قريب..) (الناصر الله وحده..) ثم ماذا بعد؟. -------------------------------------------------------------------------------- (المعنى..) قال الله جل شأنه: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.. إن تنصروا الله: شرط، جوابه: ينصركم.. فما نصر الله؟.. وما نصرنا؟.. متى ننصر الله؟، ومتى ينصرنا؟. النصر في لغة العرب[معجم مقاييس اللغة 5/435] بمعنى: "إتيان الخير وإيتائه" فهو على وجهتين: الأول: إتيان الخير.. أي قصده وفعله، تقول العرب: نصرت بلد كذا، إذا أتيته، قال الشاعر: إذا دخل الشهر الحرام فودعي بلاد تميم وانصري أرض عامر الثاني: إيتاء الخير.. أي إعطاؤه وبذله، فالنصر: العطاء، قال الشاعر: إني وأسطار سطرن سطرا لقائل يا نصر نصرا نصرا
* (الشروط..) وبهذا يتضح المعنى الشرعي للنصر، فنصرنا لله تعالى يكون بمعنى قصدنا وفعلنا للخير الذي أمر به؛ ونصره لنا يكون بمعنى إيتاءنا وإعطاءنا الخير الذي وعد به؛ ومعنى الآية: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا دين الله تعالى بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتوحيده وحده بالطاعة والعبادة، لا شريك له، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وموالاة المؤمنين ونصرتهم، ومعاداة الكافرين، ينصركم على أعدائكم، فيظفركم بهم، ويشف صدوركم منهم، ويعليكم عليهم، ويعزكم ويذلهم، ويجعل العاقبة لكم، كما قال تعالى: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}. وقال:{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}. وقال: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}. وقال: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}. وقال: {والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا}. فقد اشترط لحصول النصرة من الله تعالى أمورا هي من نصر الله، هي كما وردت في الآيات: 1- توحيده بالعبادة والطاعة، في قوله: {يعبدونني لا يشركون بي شيئا}. 2- تصديقه، واليقين بما أخبر به وأمر، في قوله: {الذين آمنوا}. 3- القيام بطاعته، في قوله:{وعملوا الصالحات}. 4- المحافظة على الصلوات في أوقاتها، في جماعة، في قوله: {أقاموا الصلاة}. 5- أداء الزكاة تامة، وإخراجها في وقتها، في قوله:{آتوا الزكاة}. 6- القيام بالنصيحة، بالحث على الخير، والزجر عن الشر، في قوله:{أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}. 7- عدم الثقة في الكفار، والاطمئنان إليهم، ومودتهم، ونصرتهم، في قوله:{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا}. 8- نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، بالاتباع والتأييد والذب عنه في قوله: {وعزروه ونصروه}. 9- نصرة المؤمنين، بالتأييد، والجوار، والمنع، والإكرام، في قوله:{آووا ونصروا}.
فهذه الشروط منها: ما هو حق لله تعالى، من عبادته وحده، ومنع عبادة غيره، أيا كان، سواء كان قبرا وضريحا ومزارا، أو صنما ووثنا، أو شخصا ومخلوقا؛ وكذلك طاعته وحده، ومنع طاعة المخلوقين، مهما كانوا، مشايخ أو حكاما أو علماء، في معصية الله تعالى، واتخاذهم أربابا من دون الله تعالى؛ وكذلك معاداة وبغض من كفر به، ولم يؤمن برسله، والتبريء ممن تحقق عنادهم بعد البلاغ. ومنها: ما هو حق بين المؤمنين، من صدقة الأغنياء على الفقراء، والنصيحة للمؤمنين، ومودتهم، ومحبتهم، ونصرتهم، ومنع الكافرين منهم. فالطائفة التي تمتثل لهذه الشروط بالفهم والتطبيق هي الطائفة المنصورة، بهذا وعد الله تعالى حيث قال: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.. وقال:{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}. وقال: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور * أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}.
* (نصر قريب..) هذا النصر ليس في الآخرة فحسب، بل هو متحقق في الدنيا، كما قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}. وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلك خير لكم إن كنتم مؤمنين * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم * وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين}. وقد نصر الله المؤمنين في بدر وفي مواطن كثيرة، كما قال تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة}. وقال: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة}. لكن هذا النصر مع كونه متحققا واقعا في الدنيا، إذا تحققت الشروط الآنفة، إلا أنه ينبغي التنبه إلى أنه قد يتأخر، ابتلاء وامتحانا، وصورة هذا الابتلاء: أن في تأخر النصر ترجح كفة العدو، وفي ترجح كفة العدو تظهر فائدتان جليلتان، لا غنى للمؤمنين عنهما، ولأجلهما يهون تأخر النصر: الأولى: تكفير السيئات وزيادة الأجر، حيث – والحالة هذه - يصب العذاب على المؤمنين بالأذى والقتل والتشريد والتخويف، وكل ذلك في ميزان أعمالهم، فما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كان له بها أجر، هذا في دنياه، فكيف إذا كان لأجل جهاده الكفار؟. قال الله سبحانه: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ومخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين * ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعلمون}. الثانية: التمحيص، حيث يعلم المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب المفتون، ففي النصر السريع يكثر الأدعياء، المدعون أنهم مع المؤمنين، ليحصل لهم شيء من الغنيمة، وقد بينهم الله تعالى بقوله: {الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم، وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين}. وقال تعالى عما أصاب المؤمنين في غزوة أحد: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فإذن الله وليعلم المؤمنين}.. وقال: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}. بل قد يبلغ التأخر غايته حتى ليصاب المؤمنون باليأس والضعف والوهن، وهذه حقيقة، فالنفس البشرية مهما علت في إيمانها، إلا أن الوهم قد يستحوذ عليها ويسوقها، لكن لا يستمر ذلك طويلا، فالإيمان وإن ضعف قليلا إلا إنه لا يتلاشى ولا يموت، بل ينتفض حيا، برحمة الله تعالى، حيث ينـزل نصره في تلك الأوقات الحرجة، حينما يقع اليأس والخوف، مع الضراعة الحارة، كما في قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}. وكما في قوله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}. وفي قوله: {إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا}. وإذا كان النصر متحققا، إذا تحققت شروط النصر، فينبغي اليقين بوقوع النصر، ولو تأخر إلى حين، وقد كان مما رد الله تعالى به على المرجفين والظانين أن الله لن ينصره دينه قوله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ}، "قال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل فيها أن المعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلى الله عليه وسلم، وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه، {فليمدد بسبب إلى السماء}، أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء، {ثم ليقطع}، أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له، {فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ}، وحيلته ما يغيظه من نصر النبي صلى الله عليه وسلم، والفائدة في الكلام أنه إذا لم يتهيأ له الكيد والحيلة بأن يفعل مثل هذا، لم يصل إلى قطع النصر". تفسير القرطبي 12/21. قال تعالى: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}.
* (الناصر الله وحده..) إن النصر من الله وحده، والمؤمنون وحدهم هم الذين يعلمون كيف يكون منه وحده؟، إذ الأمر كله له، والعباد كلهم في حكمه وقهره، وهو يقول سبحانه: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون}. وهو سبحانه ينهى عن الركون وطلب العون من الكافرين، إذ إنهم لا يقدرون على شيء، ثم هم لا ينصرون إلا بثمن مقابل، والثمن هو الدين، فنصرتهم خسارة كبيرة لا تعوض، يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين * بل الله مولاكم وهو خير الناصرين}.. فالله هو خير الناصرين، وهو وحده النصير، وليس للمؤمنين نصير غيره، قال تعالى: {ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير}.. وقال: {والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا}. وما استنصر أحد بالله تعالى صادقا مخلصا إلا نصره الله تعالى وأعزه وآتاه الثواب كله، في الدنيا والآخرة، وسكن روعه، وأذهب خوفه، وأمنه من عدوه، كما قال جل شأنه: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين* وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فآتاهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين}. وقال: {ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء}. وقال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم* إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}. وما دعا نبي ربه أن ينصره على الظالمين إلا نصره، قال تعالى: {فدعا ربه أني مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر}.
ثم ماذا بعد؟. ليس بعد هذا الفضل من الله تعالى على المؤمنين إلا أن يقولوا: { الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}.. فالحبل المتين، والصراط المستقيم، والبشارة الدائمة، والتسلية، والتخفيف، والأجر، وتكفير السيئات، والعزة والرفعة، كل ذلك من الخير الذي أنعم الله به على هذه الأمة المؤمنة بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا خوف بعد هذا، ولا قلق، فالله معنا.