[ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ]..
عندما يهبك الله الهدى ويغرس فيك بتلات الدين..
فإنّه يحبك!..
أفنحن نحب الله؟!..
وإذا كنّا نحبّه فهل نحن مخلصون!..
مخلصون في حبّه..
في طاعته.. في اتباع أوامره سبحانه..
في اجتناب نواهيه عزّ وجلّ..
[ قُل إنِّي أمرتُ أن أعبُدَ الله مُخلِصًا له الدّين ]..
الإخلاص..
انبِعاثُ القلبِ إلى جهة المطلوبِ التماسًا..
وإغماض عَين الفؤاد عنِ الالتِفاتِ إلا له..
سرٌ بين الخالقِ وعبده..
لا يعلمُه ملكٌ فيكتُبه.. ولا شيطانٌ فيفسده.. ولا هوى فيميله..
الإخلاص..
إفرادُه وحده بِالقصد في كل تصرّف.. وتخليصُ النيّة مِن فسادها..
كان سفيان الثوري يقول:
[ "ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي لأنها تتقلب علي"]..
الإخلاص..
ألّا تَرى عينك غيره.. ولا تطلبَ شهيدًا إلا هو.. وكفى بالله شهيدًا..
{ إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استُشهد فأُتي به، فعَرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استُشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال: جريء، فقد قيل ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار..
ورجل تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال فما عملت؟ قال تعلمت العلم وعلّمته، وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبت ولكن تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار..
ورجل وسّع الله عليه، وأعطاه من صنوف المال فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها، قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار }
يا رب أعذنا..
إنّ الأعمال لا تتفاضل بصُوَرِها وعددها، وإنّما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العَمَلَين واحدة وبينهما كما بين السماء والأرض..
فها هي الطّاعات بلا إخلاص ولا صدقٍ مع الله لا قيمة لها ولا ثواب فيها..
بل وأصحابها كُبّوا في جهنّم وأعمالهم عظام..
فيا رحيم ارزقنا الإخلاص..
:
ونعود لنقطة البدء..
الله يحبّنا..
فقد أودع بنا الإخلاص سِلاحًا غُيّب في زمنٍ نحن أحوج فيه إلى القوّة..
سلاحٌ للمؤمنين يَقيهم الهمّ والحزن واليأس والضياع والضعف والخيبة..
مفتاح لسعادة روحيّة وراحةٍ نفسية..
[ لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ]
لقد علم الله ما في قلوبهم من الإخلاص.. وصدق النية والوفاء.. فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً.. طمأنينة تغشّاهم.. وثباتًا على ما هم عليه من دينهم...
وقد ضرب الله مثلاً لحال المُوحّدين المخلصين، وبيّن سبحانه كيف يُثمر الإخلاص في نفوسهم اطمئناناً وسكينة وراحة،
تخيّل أن هناك عبدين..
الأوّل.. له سيّد واحدٌ عرف ما يرضيه وما يسخِطه.. فجَعل همّه كلّه إرضاء سيّده واتّباع ما يحبّ..
والثّاني.. يملكه شُركاء غير متّفقين.. كلّ واحدٍ يأمرُ بِخلافِ ما يطلبُ الآخر.. فتأكله الحَيرة؛ أيُرضِي ذا أم ذاك؟!..
فهل يستَويان؟!..
ألهما نفسُ الرّاحةِ والطَمأنينة في أبدانهم؟!..
أتُظِلّ قلبيهِما نفس السكينة!!..
كلّا وربّي.. فأوّلٌ سعِيدٌ، وثانٍ مشَتّت شاقٍ.. لا يستَويان..!!
[ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لهَِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ]
ولله المثلُ الأعلَى.. فَكلما قلّ الإخلاص في القلب قلّت السكينة وضاعتِ الطمأنِينة فتضيعُ القلُوب وسطَ الظلام مهرْولةً وراء الدنيا ترضى عن ربها إن وهبت وتسخط بالعدم..
قال ابن القيم:
"الإخلاص والتوحيد شجرة في القلب؛ فروعها الأعمال، وثمرها طِـيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك.
والشرك والكذب والرياء شجرة في القلب؛ ثمرها في الدنيا الخوف والهمّ والغمّ وضيق الصدر وظلمة القلب، وثمرها في الآخرة الزقوم والعذاب المقيم.."
الإخلاص.. فرجٌ ونجاةٌ من الفواحش..
[ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ]..
ثمرةٌ مِن الثّمرات.. نزول الفرجِ مِن عِنده.. والنّجاةُ مِن الكرب والشّدة..!
أنجاه الله من كيد امرأة العزيز.. لأنّه كان مخلِصًا..!
الإخلاصُ قوةُ هِمّةٍ..
[ وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ]..
ألك أن تنظُر إلى سيدنا موسى عليه السّلام كيف رفعَ الله قدره وأعلى مرتبته فجعله كليمه..
لأنّه كان مُخلصًا..
فذا الذي يطلبُ رِضا الله لنْ تقِف به همّتُه لهدفٍ دنيويّ من مالٍ وشهرةٍ ومكانة..!
ولن ينكسِر مجدافُه أمام العقَبات.. لأنّه ينظُرُ لِما هُو أبعد مِن الدنيا.. فهو يرى الله.. فَيُنسيه ذاكَ رُؤيَة غَير النّور..
كيف لا وهو يطمعُ بثَواب هناك.. ثوابٍ لا ينقطِع..
أتريد أن تحبّ الله..؟!..
رَبّ ذاتَك على الإخلاص.. قم بجَوف ليلٍ ركعاتٍ لا يعلمُها إلّا هُو.. أخفِ عن شِمالك ما أنفقته يِمينك...
كنْ في حركَتِك وسكُونِك، في سِرّك وعَلانيّتك لله، لا تُحدّثك نفسٌ ولا هَوى ولا دنيا..
وبإذن الله تحقق المقصد الأسمَى والمُراد الأعلَى..
واعلم أنّ الله يحبّك فلا تكن أعمى.. وأَوْجِد حبّه بالإخلاص له.
رَزقَنِي الله وإيّاكُم الإخلاص