المقطع الثاني والاخير
لما رائى الحمار والثور ان الوحوش تنحشر الى حيث يُقيما اطلقا العنان لارجلهما نحو تله صغيره
كانت على مقرُبه من المكان , وبالقرب من قمتها لمحا كهف صغير (جرف) يتسع لكليهما ولا يكاد
يُرى الا بعد التركيز عليه , فتوجها نحوه , وعندما استقرَا في داخله , وادركا انهما في مأمن نظر
الثور الحكيم الى الحمار معاتباً له " هل رائيت ؟ لقد كادت نهقتك تودي بحياتنا, وقد حذرتك لكنك
لم تستمع , ارجو ان يكون هذا درس لك حتى لا تعود لفعلتك تلك" نظر الحمار الى الثور ولم
يقُل شيئاً وكأن لسان حاله يقول اخرجت ما بداخلي وليكن ما يكون.
صاحبينا انتظرا حتى اليوم التالي ليتأكدا من مغادرت الحيوانات المتوحشه المكان , ثُم عادا اليه على حذر.
لم تمر على حدوث ما حدت من امر الحمار الا اسبوعين او ثلاثه , واذا بالحمار يكرر ذات الطلب
للثور الذي لم يكد يصدق ما سمعته اذناه من الحمار وقال له في عتابٍ اكثر حزماً من سابقه " ان
للجنان حدود , وقد تؤخذ الحكمة احياناً من افواه المجانين , اما انت فأضن ان ما اصابك هو اكبر
من الجنون ذاته , لكن الحمار اكد اصراره على ان ينهق , ووعد ان يكون نهيقه حذراً هذه المره
وانه لو لم ينهق لمات غيظاً , وافق الثور الحكيم قائلاً لنفسه اذا كان ولا بُد فليفعل ما يُريد اما انا
فيجب احمي نفسي , وله مطلق الحريه في حياته. ما إن بداء الحمار في النهق الا واخذ الثور
يجري نحو التله ولما رائى الحمار ما يفعلهُ صديقه قام هو الاخر بالجري فقد ادرك ان وحوش
الغاب في طريقها اليهم .
وفي الكهف قال الثور مأنباً الحمار " الم تعي الدرس بعد , هل تُريد بعد وصولنا الى ما وصلنا اليه
ان نخسر ذلك كُله, صحيح ان النهيق والخوار(النبَاح) يبعثان في النفس الطُمائنيه , ويزيدان
من راحة القلب, الا اننا ان كان ولا بُد لنا من فعل ذلك ان نقوم به بالحكمه , علينا ان نحسن
علاقتنا مع الوحوش المفترسه , وان نحاول فعله بطريقه لا تُثير شهيتها اما ان قمنا بذلك
وجهاً لوجه فأنه كما رائيت وترى قد نصبح وجبة غداء للوحوش التي تحيط بالمكان" هز
الحمار رائسه موافقأً ولم يقل شيئاً فهو يُكن لصديقه الثور الكثير من الاحترام سيما انه اول
من فكر في الهرب من ظُلم مالكهما الخالي من كُل معاني الرحمه .
انتظر الحمار والثور ليومين في الكهف حتى ايقنا ان خروجهما غدا آمناً , ثم عادا الى حيث
يوجد العيش الرغيد , والرفاهيه التي لم يكونا يحلُما ان يصلا الى مثلها.
ويُمر الوقت بصاحبينا وهما في انعم حال , كيف لا وهما ينامان قريري العين , ورغد العيش
يحيط بهما من كل مكان, بداء الثور في ارشاد الحمار وتوجيهه ونصحه , وتعليمه فن الحياه
وفن التعامل مع الحيوانات المفترسه واخذ يُخبره ان النهيق امرٌ جميل ولا ريب في ذلك الا
انه يجب ان يكون بالحكمه والموعظه الحسنه , وانه لا ينهق حيث يُقتل الا الكلب , لكن
الحمار لم يستطع ان يتحمل , ويصبر فهو يرى ان النهيق حق من حقوقه ولا يجب ان
يتحكم مجموعه من المخلوقات المفترسه في ذلك , ثم ان نهيقه قد يُسمع من قِبل بقية الحمير
التي يعلم انها تُقاسي بعض ما قاساه هو وصديقه تحت يد ذلك الطاغيه , ولذ وفي احدى اليالي
التفت الحمار الى الثور وقال " لا بُد لي من ان انهق " رائى الثور ان الحمار عازمٌ على
فعل ما يحلو له وانه لا يستطيع ان يمنعه من فعل ما يريد لذا امره ان ينتظر حتى يتوجه
الى الكهف في اعلى القمه وأن يذهب الحمار بعيداً عن المكان الآمن, ثُم يقوم بفعل ما اراد.
وافق الحمار على شروط الثور مقدراً له موقفه ذاك, مدركاً ان له كامل الحق في حماية
نفسه , كما انه من الممكن ان تسمع الحمير نهيقه الحماسي , فتأتي اليه وتدافع عنه وتتحرر
هي من ظُلم مالكيها وهو من خطر الوحوش المحدق به , لذا انتظر حتى تأكد من ان
الثور قد بلغ مأمنه ثُم توجه الى مكان ليس بالبعيد , ونهق بأعلى صوته مخرجاً جميع
النهقات التي كُبتت في داخله.
ما إن أتم الحمار نهيقه واذا بالحيوانات المفترسه تهجُم عليه, حاول المسكين الفرار الى
الكهف لكن دون جدوى , فقد كان اعدائه اسرع منه , فأغتالوه وقبل ان يموت رائى
الحمار مالم يكن في الحُسبان , رائى ان من بين من هاجموه حميراً مثله الا ان لها
خطوطاً بيضاء وسوداء على جسدها , عندها وبعد فوات الأوان علم الحمار ان
هنالك ايضاً حميراً متوحش , نظر الثور الى صديقه وهو يموت في اسى لكنه لم يملك الا
ان يقول كما قال الوالد احمد الدُبيشي في تعليقه المتقدم .
السلام عليكم