مضى خطاب إلى ربه عزيزا نسأل الله أن يكتبه من الشهداء.

وحين أكتب عنه فليس بحاجة لأن يتحدث مثلي عن مآثره، وأنى للعبد الضعيف أن يثني على من قضى شبابه في ساحات الجهاد وقتل في سبيل الله -نحسبه كذلك والله حسيبه-.

وأعتقد أن ما سطره بفعله يغني عن أن يقول فيه القائلون.

لست أعرفه - رحمه الله - إلا كما يعرفه سائر المسلمين، وحين عد أحد القادة الشهداء على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "وآخرون لايعرفهم عمر". قال عمر رضي الله عنه: "وما ضرهم ألا يعرفهم عمر؟!"، فما ذا عسانا أن نقول نحن؟!

لكن عزاؤنا أننا نحب المجاهدين ولم نلحق بهم ونسأل الله أن يحشرنا مع من نحب من النبياء والصحابة والمجاهدين الصادقين من السلف والخلف.

وليس لدي ما أقوله هاهنا إلا وقفات يسيرة:

الوقفة الأولى:
في عصر الجبن والذل والهوان أخرجت الأمة شبانا أشاوس بذلوا المستحيل، وسطروا أروع الملاحم، في حين عجز المفكرون والمنظرون عن تحقيق كثير مما يريدون، إنه أكبر دليل على بقاء الخير في هذه الأمة المباركة، وأكبر دليل على أن الإرادة الصلبة تصنع العجائب.

الوقفة الثانية:
لقد خرج هؤلاء من بيوتهم وكثير منهم لا يجيد إمساك السلاح، فصنع منهم الميدان أبطالا أشاوس، أليس من العجب أن تعلن روسيا بجبروتها وسلطانها مرارا قتله وهي كاذبة، وأن تسبشر بذلك.

إنه دليل على أن الإعداد في الميدان أفضل إعداد، وهكذا سائر ميادين العمل هي التي تخرج العاملين، وهذا خير من ألف كلمة وألف درس.

فإن أردنا إعداد الدعاة فالميدان العملي هو ميدان الإعداد، وهكذا إن أردنا إعداد القادة والمجاهدين...

الوقفة الثالثة:
في وقت نسيت فيه الأمة الجهاد، وصارت تتعامل مع التاريخ على أنه أخبار وأساطير جاء المجاهدون ليثبتوا للأمة أن ميدان الجهاد هو ميدان العز للأمة، وأنها يمكن أن تقوم به في عصر الأسلحة الفتاكة، حين تعلو الهمة وتصدق العزيمة.

الوقفة الرابعة:
في الوقت الذي قامت فيه حركات جهادية قامت بإحياء ذروة سنام الإسلام وإيقاظ عزيمة الشباب، وجدت أعمال اندفع فيها أصحابها إلى مجالات لا يتحقق من ورائها مصالح للأمة، فأنكر ذلك طائفة من أهل العلم، ولابد أن يحصل اختلاف في الرأي، فاتسعت دائرة الخلاف إلى صراع، فصار للبعض موقف سلبي من كل ما يمت للجهاد بصلة، حتى سمعنا من جديد الحديث بأن الجهاد لرد العدوان فقط!!

وصار هؤلاء لا يطيقون أن يسمعوا بهذا المصطلح، وفي الطرف الآخر اتجهت فئة ممن رأوا أن الجهاد في مناطق معينة فرض عين على الأمة أجمع، اتجهوا إلى إسقاط الآخرين واتهامهم، وجعل رأيهم هذا معيارا لامتحان الناس وتحديد الموقف منهم.

والذي يراه العبد الضعيف أن الجهاد الذي يتمثل في صراع بين معسكر للكفر ومعسكر للإسلام وفق راية واضحة كالذي يحصل في الشيشان أو كشمير وغيرها، أو العمليات التي تحص في الأرض المباركة، أن ذلك جهاد ينبغي الوقوف معه ودعمه بما يستطيع المسلمون من وسائل الدعم.

وأما الأعمال التي تقام في البلاد الإسلامية المستقرة بهدف إسقاط الأنظمة فهي تفسد أكثر مما تصلح وتعوق أكثر مما تنتج، ومثل ذلك السعي بالزج في الأمة في صراع غير متكافيء مع أعدائها.

ومع ذلك فمهما خالف المسلم أخاه في الرأي فلا يسوغ أن يكون مع العدو ضده، ولا أن يشمت به أو يفرح بمصيبته، بل يسأل الله له التوفيق والهداية، ولو أصيب بمصيبة فحقه عليه الدعاء والسعي في إعانته.

إلا يمكن أن نسعى لتذويب الجليد، وأن نفتح صدورنا لنتحاور بهدوء واتزان فيما نختلف فيه جميعا؟

وإلا فنحن الخاسرون والعدو هو المنتصر في النهاية.

الوقفة الخامسة:
لئن مضى خطاب وخسرته الساحة ففي الأمة ألف خطاب، ومع شعور الغيورين على مصالح الجهاد بفقده فإنهم لن ييأسوا وهم يعلمون أن الدين منصور، وقد مضى قبله من القادة والمجاهدين والشهداء فلم تعقم أرحام الأمة أن تخرج بديلا عنهم.

الوقفة السادسة:
مضى خطاب رحمه الله وجدير بالباكين عليه والمتألمين لفقده أن يسيروا على الطريق، إنه طريق العمل للدين والسعي لنصرته، فلئن لم يتح للإنسان شرف الجهاد في سبيل الله عز وجل، فميادين العمل كثيرة فإياك أن تكون من المتقاعسين، أو المكتفين بالشعارات والعواطف، بل اسأل نفسك دوما ماذا عملت وماذا قدمت؟

الوقفة السابعة:
نداء نوجهه للأمة أجمع، أن تعيد النظر في تعاملها مع المجاهدين ونظرتها لهم، حتى وإن اختلفت مع بعضهم في بعض ما يعملون فلهم عليها حق الاعتناء والاحتفاء، واحتواؤهم بعيدا عن الغلو والشطط والانحراف، وليعلم العقلاء أن العنف في التعامل مع فئة من الناس عاشت ميدان البطولة والجهاد، أن العنف مع هؤلاء لن يولد إلا مزيدا من العنف.

الوقفة الثامنة:
نداء لمن كتب له شرف المشاركة في الجهاد في أي ميدان من ميادين الجهاد في الأمة ثم عاد إلى بلده:

إن ميادين الدعوة إلى الله ونصرة الدين كثيرة، وليست قاصرة على الجهاد بالنفس والقتال، والأولى بهم والمنتظر منهم أن يجتهدوا في الدعوة إلى الله ونصرة دينه بما يستطيعون، وأن يحذروا من أن يستهويهم الشيطان فيدخل عليهم العجب بأعمالهم، أو يدعوهم إلى احتقار الآخرين وازدرائهم، أو يشغلوا أوقاتهم بما لا يفيد ولا يجدي، فالأمة تريد العاملين المخلصين في أي ميدان.

كما أوصيهم بأن يحذروا من أن يستجرهم الشيطان إلى الغلو، أو القيام بأعمال في بلاد المسلمين تفسد أكثر مما تصلح.

أسأل الله أن يتقبل شهداء الأمة وأن يبارك فيمن بقي منهم وأن يحمينا من نزغات الشيطان وتوهينه
[img][/img]