هاربون من المدارس إلى مواقع النت- كابوس التعليم- ملف تفتحه نبأنيوز |
الأربعاء, 03-ديسمبر-2008 |
نبأ نيوز- خاص/ تعز: عبد القوي شعلان - مقاهي انترنت تعج بالطلاب منذ ساعات الصباح الباكر.. أعداد هائلة تفر من فصول المدارس إلى غرف الدردشة، ومواقع الجنس والإثارة، وفتنة الفيديو كليب، ولهو الألعاب الالكترونية.. وبعض قليل يتسكع على نواصي أرصفة الشوارع..!! حشود طلابية يغلي في ثناياها عنفوان المراهقة، وثورة طيش وتمرد، غير أن أحداً لا يكترث لكبح جماحها، واحتواء عنفوانها.. ولا يحتسب أن تفلت من زمامها، ويتقد فتيل ثورانها.. ولا تجد حتى من يسأل: لماذا تفرّ هذه الحشود من فصول المدارس إلى ميادين العبث..!؟ "نبأ نيوز" تفتح ملفات- أخطر أسلحة الدمار الشامل- المحيق بمستقبل اليمن... أبناؤنــــا الطـــلاب... بحثاً عن إجابة: لماذا تحولت صروح العلم لدى أبنائنا إلى مصدر كآبتهم، وكوابيساً تقض مضاجعهم، وبلاءً يؤلب عليهم بيوتهم!؟ * أولى الحقـائــــق في كثير من مدارس تعز قلما تجد فصولاً دراسية بعد "الراحة" بذات العدد الذي دشنت به اليوم الدراسي.. قد تجد (20) طالباً أو أقل من ذلك بكثير من أصل (100) طالباً كانوا قوام عدد بعض الفصول الدراسية.. غير أنك عندما تبحث عنهم بعد الساعة العاشرة صباحاً ستجدهم خارج مدارسهم، متوجهون صوب مقاهي الانترنت لتمضية أوقات مسلية، وتبديد "كآبة" الجو المدرسي!! بقليل من السؤال تكتشف أن البعض غائب منذ بداية الدوام، وأن معدلات الغياب مرتفعة على نحو مثير للدهشة.. فيما يتسرب الآخرون من الدوام بعد الحصة الثالثة، والسبب ليس واحد بل أسباب عدة– كما ستتضح خلال هذا التحقيق. * احتـــلال طـــلابي في مقهى ضخم مجاور لأحدى مدارس المدينة الكائنة في شارع حوض الأشراف يحتل طلاب المدارس تقريبا كل المقاعد المخصصة لرواد المقهى من الكبار وبمعدل ثلاثة طلاب لكل كبينة واحدة، ويكون في هذه الحالة على زبائن المقهى الانتظار بالساعات حتى يقرر طلاب المدارس الهاربون من مدارسهم البقاء في المقهى أو العودة إلى منازلهم.. أما أولياء الأمور فليس لهم إلا الظاهر فقط مما يشاهدونه من علامات تدل على أن أبنائهم امضوا يوما دراسيا كاملا أو نصفه، فالزى المدرسي والحقيبة المدرسية كل ذلك شواهد قد تشفع للطالب لدى ولي الأمر هذا إن كان يهمه الأمر من أصله. * مواقـــع إباحيـــــة وإذا كنت من مرتادي مقاهي الانترنت واختلست نظرة من كبينة مجاورة لك مشغولة بالهاربين من مدارسهم قد تشاهد طلابا في أعمار لا تتجاوز الـ15 سنة يشاهدون مواقع إباحية (عيني عينك وأمام الملأ), فمن بين ثلاثة كبائن طلابية لوحظ ستة طلاب على كبينتين يشاهدون مواقع مخلة بالآداب، فيما آخرون يتصفحون مواقع تهتم بالألعاب وأخرى بالفيديو كليب ومواقع الدردشة..! * الهـــروب المثـــير ومما يثير الانتباه أن مجاميع طلابية هاربة من المدارس قد تشاهدها في هذه المقاهي في وقت مبكر، وتحديدا عند الساعة الثامنة صباحا, الأمر الذي يستوجب تدخل القائمين على مستقبل التعليم في هذا البلد ولو حتى بالسؤال عن مصير هؤلاء الهاربون من مدارسهم نهاية العالم الدراسي بل وعن مصير البلد وأبناؤه الملتحقين بالمدارس الذين نصفهم يهربون من المدرسة فيما النصف الأخر داخلها (مكرها أخاك لا بطل). * هــروب ســــنوي والشاهد أمام هذا الهروب الدراسي السنوي أن لا احد يحرك ساكنا إزاء قضية خطيرة كقضية هروب الطلاب من مدارسهم وما يترتب عنه من ضعف في مستوى التحصيل العلمي الذي بالنتيجة هو انعكاس سلبي على مستقبل البلد كله. الكل في اليمن يراهن على مخرجات نوعية للتعليم غير أن الكل يتحدث بذلك لوسائل الاعلام دون أن يفعل قيد أنملة على أرض الواقع، بل بالعكس أن فساد التعليم استشرى بفضل تلك الشعارات.. والحزبية داهمت معاقل التعليم، وكسرت حرمة صروحه، وبات الجميع متورطاً في لعبة قذرة ضحيتها أبناؤنا الطلاب.. الكل يعبيء الصغار بأفكاره السياسية، ويحرضهم على الآخر، ويزجهم بمسيرات ومظاهرات.. فيما المعلمون لا يتوقفون عن تنفيذ الاعتصامات والاضرابات- وأبناؤنا وحدهم من يدفع ثمن "الديمقراطية البليدة"!! * منـــاخ محبــــــط وتبقى أسباب هروب الطلاب من المدرسة إلى مقاهي الانترنت في مدينة تعز كثيرة منها ما هو متعلق بالمدرسة نفسها التي تتغاضى عن هروب طلابها آو عن المتغيبون منهم, وهناك أسبابا أخرى تخص الأسرة وأخرى تعود إلى المدرس نفسه والى الأخصائي الاجتماعي, وربما بدرجة اقل المجتمع والمناخ العام الذي يسيطر عليه الإحباط المتفشي في كل شرائح المجتمع والشعور بعدم أهمية التعليم وتفشي البطالة في صفوف الخريجين, ناهيك عن أسباب أخرى تخص المدرس غير المؤهل تأهيلا علميا ونفسيا واجتماعيا وتربويا كافيا. فالمدرس اليائس أصلا من جدوى مهنته لا يمكن له إلا أن يصدر اليأس والإحباط إلى طلابه كما أن الإدارة المدرسية تضطر أمام هذا المناخ التعليمي والتربوي الباعث على الإحباط قد تجد نفسها تسلم بالأمر الواقع وتلقي باللائمة على الدولة والحكومة التي لم توفر مناخا تعليميا ومعيشيا للموظفين والمعلمين ومن باب (إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع ) والمحصلة انعدام الشعور بالمسئولية وحدوث الانفلات. * مسئوليـــات مشــتركة خبراء تربويون اجمعوا من جهتهم على أن المدرسة تتحمل جزء فيما الجزء الأخر يقع على عاتق الأسرة, وفيما يخص المدرسة أشاروا إلى إن المدرسة تتحمل المسؤولية من عدة جوانب منها: - المبنى المدرسي الذي قد يكون نفسه سبب في هروب الطالب وذلك من حيث : البنيان العام حيث الأسوار غير المرتفعة مما يسهل على ضعاف النفوس من الطلبة تسلقها, والصفوف المكتظة بعدد الطلاب وغير المهيأة بشكل جيد, والمرافق الضرورية بالمدرسة (دورات مياه مثلا) غير مكتملة أو غير صالحة, والشكل الخارجي غير مريح للنفس لانعدام الصيانة الدورية إضافة إلى عدم وجود أمكن للترويح عن النفس- حديقة- صالة ألعاب- صالة أنشطة عامة.. - المعلــم يتحمل المعلم مسؤولية هروب طالبه من صفه وبالتالي من المدرسة وذلك من خلال: 1 - إتباع المعلم لأساليب غير تربوية ( كالضرب والشتم ) في تعامله مع طلابه. 2- عدم مقدرة المعلم على ضبط الصف وإدارته بالشكل السليم وبالتالي يرى الطالب أن وجوده في الصف مضيعة للوقت. 3- عدم مقدرة المعلم على تجديد معلوماته وخبراته من الناحية التربوية والتنويع في طرق تدريسه بما يتلاءم مع كل صف. 3- ضعف المعلم في مادته العلمية وبالتالي تهتز ثقة طلابه فيه فينصرفون عنه. 4- أحيانا يحمل المعلم طلابه فوق طاقتهم من التكاليف الصفية واللا صفية فلا يستطيعون الصبر معه. 5- قد يتوفر بالمعلم كل الإيجابيات إلا أنه يفتقد للإخلاص فلا يواصلون طلابه معه. - المنهــج قد يكون ما بالمنهج من صعوبة وعدم توافق مع ميول واتجاهات الطالب وتحقيق رغباته واستفزاز لقدراته وكثرة الحشو الغير مفيد سببا لنفوره من المادة وبالتالي هروبه من المدرسة.. ناهيكم عن كون أغلب المدارس تعاني العجز بالكتاب المدرسي في الوقت الذي تباع المناهج على الأرصفة المواجهة لمبنى وزارة التربية، بما يؤكد حالة الاستخفاف بالوزارة المعنية وبكل أجهزة الدولة الرقابية، وبوزير التربية نفسه الذي لا يكلف نفسه عناء السؤال عن مصدر الكتب، وكيف تتسرب الى الشوارع بكميات هائلة. - الإدارة تتحمل الإدارة مسؤولية أكبر من غيرها في مسألة هروب الطالب من المدرسة ومظاهر هذه المسؤولية تكمن في: • قد يكون مدير المدرسة من النوع التسلطي فلا يجيد التعامل التربوي مع مؤسسته التربوية ( معلمين- طلاب) إلا بالسوط والجلاد- كما يقولون- ولذا سوف ترى أن الجميع يهرب منه, وقد يكون من النوع صاحب الإدارة الفوضوية فيجعل الحبل على الغارب ولا يسأل عن من هرب أو من لم يهرب. • عدم الاهتمام بالغياب وإهمال تطبيق اللوائح والقوانين الخاصة بذلك. • غياب المدير القدوة، فللأسف يأتي المدير للمدرسة آخر القادمين ويغادر أول المغادرين. * مـــــاذا يقــول الطــــــلاب؟ لكن ماذا عن الطلاب وهم محور العملية التعليمية, كثير من الطلاب الذين قابلناهم اتفقوا مع ما ذكره الخبراء التربويون من أسباب تجعلهم يهربون من المدرسة حيث اجمعوا على أن كره المدرسة ولجوء المدرسين والإدارة المدرسية إلى العنف ضدهم، وغياب المدرسين، وازدحام الفصل الدراسي بواقع أكثر من مئة طالب في الفصل يدفع الطلاب إلى التدافع والعنف ضد بعضهم وتتحول المدرسة إلى ساحة اقتتال يومي..!! * الدراسـة شهريـــن فقـــط يقول أشرف- صف ثامن- كنت ذاهب إلى المدرسة فوجدت الباب مغلقا أمام الطلاب المتأخرين، وبالتالي حتى نسلم من الضرب ليس أمامنا إلا الهروب والذهاب إلى الانترنت. يتحدث "أشرف" بصراحة كاملة حين يقول انه يدرس شهرين في السنة وينجح بالطرق المعروفة عند الناس على حد قوله, أما والده الذي يعمل في وظيفة مرموقة فلا يهتم بموضوع ذهابه إلى المدرسة لأنه يدرك كما أفاد ابنه أن المدرسة لا تقدم شيئا لابنه ولذلك فذهاب ابنه إلى المدرسة هو من باب (إسقاط واجب فقط)..! * موالعـــــة قــــــــات زكي- طالب في الصف التاسع- يعترف انه يذهب إلى المدرسة مكرهاً، وانه يلعن اليوم الذي يحل فيه عاد دراسي جديد.. ويقول زكي: هذه سجون وليست مدارس, مدرسين (موالعة قات), وغائبين طوال السنة, والذي يدرس هو رئيس الفصل, ويوم إضراب، ويوم انتخاب، ويوم اعتصام، وكل أيام السنة ضائعة. * أوليـــــاء الأمـــــور وألقى عديد من أولياء أمور باللائمة على المدرسة التي تتهاون في مسالة هروب الطلاب من المدرسة بل وقيامها بتقريب الطلبة المشاغبين منها الأمر الذي يشجع الطلبة الغير مشاغبين على إتباع نفس السلوك من باب خالف تعرف وظنا منهم إن المخالفة يحظى بالود والتقرب من المدرسة. من جانبهم عبر عدد من مدراء المدارس عن أسفهم الشديد لما يحدث في المدارس الحكومية من هروب مستمر, واعترف بعضهم أن المسئولية الكاملة تتحملها بالدرجة الأولى الحكومة التي يتوجب عليها الاهتمام بالمدارس وتهيئتها لتكون مدارس جاذبة للطلاب, محملين في نفس الوقت الأسرة جزء من المسئولية في هذه القضية معتبرين الأسرة هي النواة الأولى في إصلاح وتربية الطالب وإعداده إعدادا سليما تربويا وجسديا ونفسيا مؤكدين أن المدرسة دورها مكمل للمنزل في الناحية التربوية. * مــدارس غــير جاذبــة مسئول في التعليم الأساسي بمكتب تربة تعز أوضح أن قضية هروب الطلاب من المدرسة ناتجة عن عدم قدرة هذه المدارس على جذب طلابها إلى العملية التعليمية بسبب افتقارها إلى المعلم الجيد والفصل المثالي والمكتبة المثالية والساحة المناسبة والأنشطة المختلفة. وطالب طه على طاهر الحكومة بتوفير مدارس جاذبة حتى يمكن حل مشكلة هروب الطلاب من المدارس مثل جعل الفصل الدراسي بواقع 30 طالبا وتوفير أجهزة كمبيوتر للمدارس، وزرع الساحات الداخلية للمدارس بالأشجار وبناء حمامات مجهزة, وتفريغ المعلمين لتأدية مهمة التعليم فقط وليس حشرهم في مهام مختلفة منها سياسية ومنها حزبية ومنها انتخابية, مؤكدا على ضرورة الاهتمام بلقمة العيش للمدرس نفسه الذي يجد نفسه أمام راتب هزيل لا يكفي ليومين فقط فيضطر لتحسين دخله بتفريغ نفسه لوظائف أخرى بجانب عمله على حساب الطلاب والتعليم نفسه. * استهانـــة بالتعليـــــم فيما ياسين الخليدي- أخصائي أنشطة مدرسية- قال: أن البنية التحتية لبعض المدارس غير سليمة, كما أن غياب اهتمام التربية والتعليم بالأنشطة المدرسية وعدم استقرار العملية التعليمية كل سنة لأسباب مختلفة أدى إلى خلق حالة من الفوضى في صفوف الطلاب، وبالتالي استهانتهم بالتعليم والمدرسة. ويرى الخليدي إن من الحلول المناسبة لجعل مدرسنا جاذبة للطلاب هي الاهتمام بالأنشطة المدرسية المختلفة مثل الوسائل التعليمية والرحلات الترفيهية والألعاب الرياضية وإيجاد مدارس بساحات مناسبة والاهتمام بالمستوى المعيشي للمدرس الذي هو نفسه يتهرب من المدرسة أمام الطلاب فكيف بالطلاب أنفسهم. * ختـــامــــــاً: ويمكن أن نخلص في نهاية التقرير إلى أهم الحلول التي قد تنهي ظاهرة الهروب من المدرسة منها: إيجاد مدارس جاذبة يتوفر فيها كل مقومات المدرسة من مدرس كفؤ، وأخصائي اجتماعي مؤهل, وفصل مثالي, ووسائل تعليمية, وأنشطة مدرسية متنوعة, وساحات مدرسية مناسبة, وتوفير مناخ معيشي مناسب للمدرس, وحمامات كافية ومجهزة, وكتاب مدرسي منذ بداية العام الدراسي, وتعيين إدارة مدرسية مؤهلة, وإشراف تربوي وتعليمي مستمر.. والأهم سياسة تربوية مبنية على واقع يمني واحتياجاته، وليس على مثاليات تنظيرية، أو استنساخ تجارب مستوردة!! |