قلة الذوق.. ممارسات شائعة كيف يفسرها اليمنيون!؟ |
الجمعة, 14-نوفمبر-2008 |
نبأ نيوز- خاص/ استطلاع: عبد القوي شعلان - قلة الذوق.. مفردتين تحددان هذا الكم الهائل من التصرفات اليومية والممارسات غير المؤدبة في حياتنا الاجتماعية المختلفة والتي تعكس نفسها بشكل واضح في يوميات الشارع اليمني. أطنان من الألفاظ الواطئة لو تم تحويرها.. وألفاظ سوقية يعف اللسان عن ذكرها، وللأمهات منها نصيب الأسد, فالبلطجة في قاموس الثقافة الشعبية صارت شجاعة, والنذالة شهامة, والخسة مروءة, والطيب ضعف, والخلوق مسكين, والهادي ساذج... وصار مطلوبا منك أن تثور في الباطل, وتفقد أعصابك فيما لا يستحق.. تحت "ثقافة" هذه المفاهيم غابت لغة التسامح، وانعدمت لغة الحوار ليحل محلها لغة الفوضى، وقلة الذوق، وسوء الأدب، ومخالفة السلوك العام, وشاعت بشكل لافت ثقافة التربص بالأخر.. فعمد الناس إلى إظهار عصيهم بدلا من تحاورهم, وأسلحتهم بدلا من تسامحهم.. فما الذي حدث حتى تتحول سلوكياتنا إلى كل هذه الأشكال القبيحة من قلة الذوق؟ وما الذي أدى إلى بروز تلك الظاهرة القبيحة من قلة الذوق في الشارع اليمني؟ هل قلة الذوق في تصرفاتنا مرتبطة بحالة التخلف السائدة التي يعيشها المجتمع، أم هي رفيق لمظاهر التحضر العصرية؟ قلة الصبر عائشة محمد قاسم- أخصائية تنمية بشرية– تعرّف قلة الذوق بقلة الصبر, وتقول: إذا غاب الصبر من سلوك الناس في حياتهم اليومية وتعاملاتهم في المواقف المختلفة رأينا المشاحنات ومخالفة القوانين وعدم احترام شعور الآخرين, فالذي يقف بانتظار الطبيب تراه يصرخ ويهيج لان صبره نفذ من عدم تحمل مزيد من الانتظار حتى يأتي دوره في الكشف, لذلك فهو يسعى إلى ممارسة أنواع مختلفة من قلة الذوق مثل تجاوز الطابور أو التلفظ ضد الآخرين بألفاظ بذيئة. الفهلوة وترجع عائشة الأسباب في ذلك إلى مفهوم الحرية الخاطئ، وحب الذات، وأسلوب التربية الذي يشجع على مخالفة الأنظمة والفهلوة.. فالإنسان الطيب قليل الخبرة، والهادي مسكين, والخلوق ساذج في المفهوم الشعبي السلبي. ذوق زمان وتشير عائشة إلى إن الجانب الديني الذي لم يعد متمثلا كسلوك يومي عند كثير من الناس ساهم في بروز ظاهرة قلة الذوق في تعامل الناس وبعضهم البعض,.. وتضيف: كان زمان فيه شهامة بين الناس ونخوة في التعامل مع بعضهم بالرغم من ضعف التدين، أما اليوم فنرى انحطاطا في السلوك والذوق في طريقة الكلام وعدم احترام الآخرين وكل واحد يتربص بالأخر ويوجه اللوم للأخر. سلوك غير سوي من جانبه يعرف- بدري جميل– طالب جامعي، 22 سنة- قلة الذوق من وجهة نظره بأنه سلوك غير سوي في التعامل بين الناس وبعضهم البعض, فمثلا من قلة الذوق أن يخطئ احدهم في حقك دون قصد فتقوم تكيل له وابل من الشتائم والسباب.. ويروي بدري واقعة حصلت ذات يوم أمامه: (ذات مرة كان طفل يلعب كرة قدم في الشارع وركلها بالخطاء في ظهر أحد المارة فقام هذا الشخص بضربه وأهانته وتحقيره بحجة (أن من لم يربه والديه رباه الناس) وعندما علم ولي أمر الطفل بما حدث لابنه نزل بنفسه إلى الشارع واخذ بثأر ابنه، وكانت النتيجة أن حدث ما لا يحمد عقباه في الشارع حيث قتل الشخص الذي كان قد ضرب الطفل. ويقول بدري جميل إن هذا الشخص الذي ضرب الطفل دفع حياته ثمنا لقلة ذوقه فقد كان يتوجب عليه إن يلتمس العذر للطفل الذي يلعب في الشارع وان يعتره مثل ابنه فهو لم يكن يقصد ركل الكرة باتجاهه حتى ولو فعل ذالك كان يفترض أن يكون الرجل متزن ومتعقل وأكثر ذوق في التعامل مع الطفل. مكبرات الصوت قلة ذوق ويؤكد أيضاً: (إن من قلة الذوق كذلك عدم احترام شعور الآخرين مثل إطلاق أبواق السيارات, اللعب في الحارات إلى أخر الليل, فتح التلفزيون بصوت يزعج الجيران أو مكبرات الصوت في الأعراس, اللعب في الحارات ومؤذاة الجيران لان الشارع ملك الجميع, رمي القمامة إمام منازل الآخرين أو في الشارع، وهذه كلها قلة ذوق نتج عنها مشاجرات تنتهي بكوارث أحيانا. مؤشر انحطاط من جانبها ترى إشراق الذبحاني– 23 سنة– أن قلة الذوق في التعامل بين الناس وبعضهم هذه الأيام هو مؤشر لانحطاط القيم والسلوك والأعراف الايجابية, مرجعة ذلك إلى التربية الخاطئة من قبل الأسرة التي قد تغرس مفاهيم معينة في نفس الطفل فيعتبرها صحيحة وعلى اساسها يكون تعامله مع الآخرين وينقلها معه حتى الكبر والإنسان إذا شاب على شيء شاب عليه. تضيف الذبحاني: أن ضغوطات الحياة وصعوبات المعيشة في اليمن أدت إلى بروز ظاهرة قلة الذوق في الشارع اليمني أو في الحياة اليومية للناس, حيث انعدم الصبر كقيمة سلوكية في حياة الناس وحل محلها البلطجة وحب الذات وأنا وبعدي الطوفان. غياب الدين وأكدت: إن غياب الوعي الدين من حياة الناس بشكله الصحيح أدى أيضا إلى انتشار ظاهرة قلة الذوق في حياة الناس, مشيرة في الوقت ذاته الى ان شعوبا أخرى غير ملتزمة دينيا لكن شعوبها راقية في تعاملها مع بعضها البعض أو مع الغريب. شتائم وحقد أما محمد الشراعي-30 سنة– فيرجع انعدام الذوق والأدب في التعامل بين الناس وبعضهم البعض إلى غياب الدين من حياتهم فالدين المعاملة والدين كله هو حزمة من الأخلاق والمعاملات والعبادات لو تمثلها الناس في حياتهم لصلح شانهم- لذالك عندما غاب التسامح فيما بينهم رأينا المشاحنات والمعاداة في الشوارع وكل يشتم الأخر ويحقد على الأخر لأتفه الأسباب. ويبدى الشراعي أسفه البالغ من انعدام لغة الذوق في أماكن العمل فمن يعلو صوته يمشي عمله هذه الأيام ، وسليط اللسان حاد الطباع يحسب له ألف حساب، بينما صاحب الذوق والأخلاق يداس ويضطهد ويضيع حقه. رب الأسرة قليل ذوق و يقول محمد على منصور– 23 سنة– إن ظاهرة قلة الذوق في الشارع اليمني مردها إلى الأسرة والى رب الأسرة تحديدا الذي يعلم ابنه الشتيمة والألفاظ النابية فهو يناديه (يا... يا......) كنوع من المباهاة والتفاخر أحيانا بل انه يفرح أحيانا أن ابنه يبادله إمام الناس تلك الألفاظ البذيئة، فالأب يتصور إن الذي يناطحه باستخدام تلك الألفاظ هو رجل ويعتمد عليه أما الابن المؤدب الهادي فبعض الآباء قد لا يقربه من مجلسه أو يفاخر به. تنشئة خاطئة ويتساءل: ماذا تتخيل أن ينتج من جيل وسط هذه التنشئة الخاطئة من قبل الأب؟ أكيد جيل لا يحترم الذوق العام وبالتالي هو نفسه بلا ذوق, ويقلل محمد من دور الدين رغم القيم التي يحملها فيقول: الدين مهم والقيم موجودة فيه ولكن الدين اليوم اسم فقط والناس تمارس طقوس فقط وبالتالي لابد إن يوجد القدوة في البيت والمدرسة حتى يصلح الشارع والمجتمع. الضغوط اليومية فيما ثريا حسن– علم الاجتماع- تقول إن علم الاجتماع يعتبر انه لا يوجد ظاهرة تعود لسبب واحد وإنما هناك أسباب عديدة لها ومنها ظاهرة قلة الذوق في التعامل بين الناس منها الضغوطات اليومية لحياة المعيشية الصعبة إضافة إلى غياب الدين من حياة الناس وانتشار الجهل في أوساطهم فكلما زادت نسبة التعليم في أي مجتمع رأينا التعامل الراقي فيما بينهم وبالتالي قلة العنف والمشاحنات اليومية ضد بعضهم البعض كما هو الحال في الدول المتحضرة, بعكس الدول المتخلفة التي تكثر فيها المشاحنات والألفاظ السوقية بين شعوبها وبعضها لأتفه الأسباب. ألفاظ سوقية وتورد مثالاً على ذلك: لا يمر يوم وأنا ذاهبة إلى الجامعة إلا واسمع ألفاظ سوقية تصدر من سائقي الحافلات ضد بعضهم البعض أو بين سائقين أو بين راكبين, أما المعاكسات اليومية حدث ولا حرج والتعرض للناس في الشارع وخاصة الفتيات أمر مخجل, لان الناس للأسف يمدحون أو ينافقون البلطجي أو قليل الذوق لذالك تراه يتمادي بأفعاله وتصرفاته القذرة والقليلة الأدب والذوق حتى إن بعض الأسر أصبحت تشتكي من إن ابنها الذي ربته على الخلق السليم أصبح يأتي إليها يوميا أما مضروبا أو منطويا وأصبح لا يستطيع إن يتأقلم مع رفقائه. تراجع في القيم وتوافقها الرأي زميلتها كلالة- 24 سنة- التي تضيف إن التنشئة الاجتماعية والانفتاح والعولمة أدى بشكل مستمر إلى تراجع القيم السلوكية وبروز قلة الذوق والبلطجة عند كثير من الناس وللأسف إذا ما قلت إن كثيراً من الآسر تخاف تربي أبنائها اليوم على القيم والسلوك التربوي السليم حتى لا يجد نفسه في غابه كلها من قليلي الذوق والبلاطجة.. عملا بالمقولة الآتية "-( إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب). صور من أشكال الذوق في بلاد الإفرنج - في السويد.. من باب كثرة الذوق وليس قلة الذوق.. لو دست على قدم شخص في السويد يعتذر لك.. لان قدمه نزلت تحت قدمك دون قصد منه. - وفي اليابان.. يبادر الياباني دائما بالاعتذار لك على انه اعتذر أكثر من اللازم, أما الانجليزي.. فيوقف سيارته ليبرر لك كيف إن سيارته لم تكن تقصد إن تثير الأتربة التي لطخت وجه حذائك. * ماذا يقول علم الاجتماع؟ تشير الدراسات إلى إن أخلاقيات المجتمع تظهر في الشارع وتنتهي أيضا فيه, فالمؤدب في علم الاجتماع هو المتوافق مع باقي أقرانه في عصر واحد على مبادئ واحد. وفي دراسة للباحثة الأمريكية ريموندا رينولدز– أستاذة علم الاجتماع السلوكي جامعة كاليفورنيا- ترى أن الرغبة في الحياة رغم كل الظروف والضغوط هي أهم سمة من سمات المجتمعات التي شهدت حضارات قديمة كالهند ومصر والعراق واليمن. وتضيف: إن أفراد هذه المجتمعات مع أنهم ورثوا نتاج حضارات قديمة إلا أنهم ورثوا أيضا ضغوطا اجتماعية متفاقمة، ولان رغبتهم في الحياة كبيرة فان تعارض واقعهم مع احتياجاتهم الضرورية يخلق نوعا ما من الإحباط, وتوضح ريموندا في دراستها إن الإحباط عندما يتزايد بفعل المؤثرات المختلفة تكون النتيجة ضغط نفسي وعصبي وأخلاقي والنتيجة قلة الذوق في حياتنا. * صور من قلة الذوق في الشارع اليمني: • ظهور ممثلي الشعب في البرلمان بهندام غير مرتب يعكس قلة الذوق. • ظهور مسئولين يتعاطون القات في الفضائيات دون مراعاة لمشاعر الناس. • رفع الصوت أثناء الكلام فوق ما يحتاجه السامع. • نفث دخان السيجار في وجوه الحاضرين في الأماكن العامة ووسائل النقل والمواصلات. • تنتظر دورك في احد المطاعم أو في طابور الفواتير فيتجاوزك احدهم مخالفا قواعد النظام. • الوقوف في المكان الخطأ والصعود بالمركبة فوق الرصيف من باب الفشخرة والهنجمة واستعراض العضلات الكاذبة. • الوقوف بالسيارة في وسط الشارع لإجراء حديث مع شخص آخر دون مراعاة للسيارات المنتظرة. • تناول أطعمة مقززة الرائحة قد تزعج الآخرين في الأماكن العامة ودور العبادة. • ارتكاب الأخطاء مع الآخرين دون إبداء الاعتذار لهم. • "التفحيط" بالدراجة النارية أو بالمركبة أمام الآخرين وإطلاق الأبواق المزعجة. • إفراغ حمولة "بجمة" القات أمام الناس، وفي الشارع. • البصق في الشوارع أو الأماكن العامة. • رفع الصوت عند استخدام الهاتف السيار في الحافلات والأماكن والمناسبات التي تتطلب الهدوء. • استخدام مكبرات الصوت في الأعراس دون مراعاة لمشاعر وظروف الآخرين في الحي أو الحارة التي تقطن فيها. • عدم إظهار الشكر والثناء لمن قدم لك مساعدة أو أحسن إليك. • أخذ شيء من يد الغير دون اخذ الأذن منه. • الجلوس في مقعد الغير دون إذن منه. • استغلال جهد ووقت الغير. • إسماع الآخرين أشرطة الكاسيت في مركبتك دون رغبة منهم. • مقاطعة من يحاورك بحجة انك على صواب والأخر على خطاء. • قذف أو تمزيق صحيفة معينة بحجة أنها تخالف رأيك أو مذهبك أو معتقدك أو توجهك السياسي. خاتمــــــة: قال احد علماء الاجتماع: "ثقة الناس في ذوقهم هي مفتاح للثقة في المعاملات", فيما بنى احد علماء الاجتماع نظرياته على ذوق الناس وأدبهم الأخلاقي، مؤكدا انه "كلما تأدبت الشعوب كلما أنتجت وتأنقت". |