مدراس التجهيل الأساسي ترحب بكم! |
الثلاثاء, 14-أكتوبر-2008 |
نبأ نيوز- بقلم: د. سعاد سالم السبع - * أستاذة كلية التربية – جامعة صنعاء المدرسة وُجدت للتعليم وللقضاء على الجهل.. ماذا لو أطلقنا على مدرسة من مدارسنا اسم (مدرسة التجهيل الأساسي) بدلا عن (مدرسة التعليم الأساسي)؟ تسمية خطرت في بالي حينما قابلت إحدى الأمهات تشكو من فشل ابنها، وتبدي استعدادها لبيع ذهبها وشراء درجات لينجح طفلها في المواد التي رسب بها في الاختبار حتى لا يسخر منه أبناء الجيران، وابنها مازال طفلا في الصف الثالث. فهي بإلحاح تسعى لتجهيل ابنها بفلوسها, وأظن أنه بدأ مشروع (التجهيل بفلوس) يلقى دعما من بعض الآباء والأمهات غير الواعين بأثر تصرفاتهم على مستقبل أبنائهم في جميع مراحل التعليم, ويلقى هذا المشروع رواجا عند بعض ضعفاء الضمير ممن يتاجرون بمستقبل الأبناء إما عن طريق إتاحة الفرص للغش في الاختبارات, أو عن طريق قبول الرشوات وترفيع التلاميذ الراسبين في كل المراحل في التعليم العام حتى أصبح لدينا نمط جديد اسمه (مدارس التجهيل الخاصة والعامة) التي يباركها بعض أولياء الأمور, ويضفي عليها الشرعية ضعفاء النفوس ممن لا يمتلكون من معنى التربية إلا الدرجة الوظيفية. ولا أظن أن التسمية ستكون خطأ إذا أطلقناها على بعض المدارس التي يمارس المسئولون فيها- بقصد وبغير قصد- ممارسات تهدم شخصية الطالب وتدمر قدراته بدلا عن بنائها, ربما لو بحثنا كلنا عن مثل هذه المدارس لأزلنا كثيرا من اللوحات المعلقة على أبواب المدارس، خاصة إذا ما استمعنا من أبنائنا وبناتنا إلى الحكايات التي تعكس واقع ما يحدث في بعض المدارس. وجدت إحدى الطالبات تبكي لأنها لم تفهم شيئا من دروس الكيمياء في مدرستها, وحينما سألتها عما تفعله المعلمة في الفصل قالت: تأتي وتقرأ الدرس من دفترها قراءة آلية, وتوبخ هذه, وتنهر تلك, وتبدي انزعاجها من الطالبات, وتحكي للطالبات عن مشكلاتها, ويرن جرس انتهاء الحصة ثم تخرج. وحينما سألتها: ألا يزور المدرسة موجهون؟ قالت بلى .. لكننا نستعد لأسئلة الموجه بأن نترك الفرصة للطالبات القادرات على أخذ دروس خصوصية في المادة لمواجهة الموجهين خوفا من المعلمة. قلت: ألا يزور المدرسة مسئولون؟ قالت: وحتى أثناء زيارة المسئولين الكبار تتعمد الإدارة ترتيب المدرسة من كل النواحي لاستقبالهم لأن الإدارة تعلم بموعد الزيارة من قبل, ويتم تجهيزنا لمقابلتهم وتملي علينا المدرسات ما يجب أن نقوله لهم أو نكتبه, لكي تظهر المدرسة والمدرسات بالمظهر اللائق, وهو مظهر مزيف لا يمت للواقع بصلة.... ألا تنطبق التسمية السابقة على مثل هذه المدرسة؟!! لو أن لي الأمر لوضعت مسميين على الوجهين للوحة واحدة, الوجه الأول سأكتب عليه (مدرسة... للتعليم الأساسي والثانوي) وفي الوجه الآخر (مدرسة.. للتجهيل الأساسي والثانوي) وكلما وجدت المدرسة تؤدي رسالتها أرفع التسمية الأولى, وحينما أجد أن في المدرسة أي انحراف عن معنى التعليم وأهدافه, أظهر التسمية الأخرى.. فربما يكون ذلك زاجرا واقعيا خاصة في ظل الاهتمام بالتقارير الورقية عن أداء المعلمين والمعلمات في الفصول الدراسية، وضعف عملية التوجيه التربوي في الميدان. إن كثيرا من مدارسنا بحاجة إلى لوحة بالاسمين، وبخاصة تلك المدارس التي يطلب معلموها من التلاميذ شراء الملازم التي تلخص الكتب المدرسية, والمدارس التي لا تهتم بالواجبات المنزلية اليومية في دفاتر التلاميذ, وتلك التي يكتفي معلموها بعناصر موجزة ومبتورة من محتوى الكتاب المدرسي, وتلك التي تكتفي بطريقة التقويم الشكلي عن طريق وضع توقيعات بعض المدرسين بكلمة (نُظر) على دفاتر التلاميذ دون متابعة أخطاء التلاميذ الصغار بالذات, وتلك التي يجهز بعض المدرسين التلاميذ للاختبار فيها بمجموعة من الأسئلة وإجاباتها للحفظ واسترجاعها على ورقة الاختبار, وتلك المدارس التي يعاقب فيها بعض المدرسين التلميذ إذا أجاب عن سؤال معين بغير العبارات التي تم حفظها. وأظن أن أكثر المدارس بحاجة لتلك التسمية، تلك التي تدفع الطلبة لاستنزاف جيوب أولياء الأمور بشراء وسائل ولوحات مكلفة يزين بها الفصل أو يستخدمها المعلم في مقابل منح عشر درجات في المواد التي يعاني الطالب من ضعف فيها فهذا تكريس متعمد للجهل.. تلح التسمية علي أكثر حينما أطلب من ابني أن يقرأ الكتاب المدرسي فيرفض بإصرار لأن المدرس لم يقرر الكتاب، وقد أمره أن يذاكر ما في الدفتر فقط, مع أن الدفتر لا يحتوي إلا على عناصر مبتورة من الكتاب المدرسي, وأقتنع بهذه التسمية كلما أجد طفلا محبطا يشكو من معلم يقمعه إذا سأل عن معلومة ليست في درس اليوم.. تخيلوا معي مخرجات مدرسة التجهيل بعد عشرين سنة.. يا ترى من المستفيد منها؟!! وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة جاءت على يده البصائر حولا |