الذوقيات
إن هذا الدين هو دين الله تعالى أنزله رحمةً لعباده و لا غرابة فهو الرحيم على الإطلاق، لذلك أتت أحكام الشرع لتحقيق مصالح العباد في كل مجالات الحياة و تفاصيلها، فما ترك الشرع جانباً من جوانب حياة الإنسان إلا نظمه على أحسن وجه و أكمل نحو، و شرعنا الكريم اهتم بالقواعد و الأساسيات و لكنه في نفس الوقت لم يهمل الثانويات و الفرعيات. والنبي عليه الصلاة و السلام أكد هذا عندما ربط كل ما يتعلق بحياة الناس بالإيمان بالله تعالى سواء أكان من الأساسيات أم من الثانويات فكل تفاصيل حياة المسلم مرتبطة بأصل الإيمان فقد قال صلى الله عليه و سلم( الإيمان بضع و سبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله أدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)). فإماطة الأذى عن الطريق يعد من الثانويات و من الذوقيات العامة و لكنه مع ذلك من شعب الإيمان فالذوق لا ينفك عن الإيمان و الذوقيات هي الرداء الجميل الذي يكسو سلوك المؤمن فيجعله مقبولاً عند الآخر و الذوق هو الذي يزيل الحواجز بين القلوب و الذوق هو الذي يدعو غير المسلم ليتعرف على هذا الدين و عظمته.
و الذوق في اللغة: هو إدراك طعم الشيء بواسطة رطوبة العصب المفروش على عضلة اللسان ثم استعيرت هذه الكلمة لتدل على معانٍ جديدة و صار الذوق يستعمل في الإحساس العام و أدبيات التعامل مع الناس و تقدير قيمة الجمال الروح الجميلة و النفس المرهفة و النظام و النظافة و الحس المرهف و النفس الشفافة التي تفهم الخطأ و تقدر وقوعها فيه من نظرة العين و ابتسامة الوجه.
و صالحو هذه قدروا الذوق و سموه أدباً قال القرفلي: ((اعلم أن قليلاً من الأدب خير من كثير من العمل)).
و قد يلاحظ المرء في زماننا تدنياً في مستوى الذوق العام و ضعفاً في تحلي الناس بالآداب العامة .
و هناك من يقول أن هناك وسائل للذوقيات التي يمكن ارتقاء الذوق بها غير مجدية لأن طبائع البشر لا تتغير، و هذا الكلام لا قيمة له و إلا فما فائدة التربية و الوعظ، و ما فائدة الأحكام و التكاليف التي خاطب الله بها المكلفين، و لقد استطاع النبي صلى الله عليه و سلم أن يغير من طبائع أصحابه فحول غلظتهم إلى رقة و قسوتهم إلى لين و جعل منهم أناساً في أعلى درجات و التحضر و الرقي و الذوق و لقد استطاع الصحابة أن يصلوا إلى هذا المستوى الرفيع من خلال ملاحظتهم لكمال النبي صلى الله عليه و سلم. فهذا أنس بن مالك يقول: ((خدمت رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر سنين و الله ما قال لي أفٍ قط! و لا قال لم فعلت كذا و هلّا فعلت كذا)).
و قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن الناس خلقاً، و لا لمست حريراً و لا شيئاَ كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا شممت مسكاً و لا عطراً كان أطيب من عرق رسول الله)).
و إذا ما تتبعنا ما جاء في كلام الله و كلام رسوله و حياته صلى الله عليه و سلم لوجدنا مظاهر بديعة للذوقيات العامة التي تظهر في العبادات و في المعاملات و في كل جوانب الحياة.