كان هناك حجرة صغيرةفوق سطح أحد المنازل ، عاشت فيه أرملة فقيرة مع طفلها الصغير حياة متواضعة فى ظروف صعبة ، إلا أن هذه الأسرة الصغيرة كانت تتميز بنعمة الرضا وتملك القناعة التى هى كنز لا يفنى ، لكن أكثر ما كان يزعج الأم هو سقوط الأمطار فى فصل الشتاء فالحجرة عبارة عن أربعة جدران وبها باب خشبى غير أنه ليس لها سقف ، وكان قد مر على الطفل أربعة سنوات منذ ولادته ولم تتعرض المدينة خلالها إلا لزخات قليلة وضعيفة ، إلا أنه ذات يوم تجمعت الغيوم وامتلأت سماء المدينة بالسحب الداكنة ، ومع ساعات الليل الأولى هطل المطر بغزارة على المدينة كلها ، فاحتمى الجميع فى منازلهم ، أما الأرملة والطفل فكان عليهم مواجهة موقف عصيب .
نظر الطفل إلى أمه نظرة حائرة واندسَّ فى أحضانها ، لكن جسد الأم مع ثيابها كان غارقاً فى البلل ، أسرعت الأم إلى باب الغرفة فخلعته ووضعته مائلاً على أحد الجدران ، وخبأت طفلها خلف الباب لتحجب عنه سيل المطر المنهمر فنظر الطفل إلى أمه فى سعادة بريئة وقد علت على وجهه ابتسامة الرضا وقال لأمه : ماذا يا ترى يفعل الناس الفقراء الذين ليس عندهم باب حين يسقط عليهم المطر !
لقد أحس الصغير فى هذه اللحظة أنه ينتمى إلى طبقة الأثرياء ، ففى بيتهم باب
إياك والدنيا الدنية إنها = دار إذا سالمتها لم تسلمِ
والمتأمل في حياة بعض الناس يجد أن قلوب بعض الناس قد غدت أودية من الحزن
فالحزن والإكتئاب من الأمور التي عمت كثيرا من الناس في هذا العصر
بل بعضهم أصبح الحزن لا يفارق محياه
بل بعضهم – والعياذ بالله – يفكر بالانتحار وهو مسلم حتى يتخلص من هذه الأحزان !!!
فلم الحزن ؟
وعلام الحزن ؟
شدني إخواني الكرام حديث عظيم من حديث سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم عليه وسلم
أتمنى أخي الحزين وأختي الحزينة
أن تفكروا في هذا الحديث
وتتأملوا فيه
وبإذن الله ستجد أن الله أذهب حزنك وكشف همك...
وإليكم إخواني الكرام نص الحديث :
عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب عبدا هم ولا حزن, فقال اللهم : إني عبدك، وابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي وغمّي، إلا أذهب الله همّه وغمّه، وأبدله مكانه فرحا".. قالوا يا رسول الله أفلا نتعلّمهن؟ قال: "بلى, ينبغي لمن سمعهن أن يتعلّمهن".
أخرجه أحمد وابن حبان وصححه الألباني.
ففي هذا الحديث أخي الكريم وأختي الكريمة أربع قواعد لإزالة الأحزان :
1- اللجوء إلى الله والافتقار إليه سبحانه وتعالى :
وقد دل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم (( اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ))
فبعض الناس إذا أصيب بحزن أو زلت به نازلة لا يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بل قد يتجه إلى أمور تغضب الله من شرب دخان أو سماع غناء أو غير ذلك وهو بذلك يزيد حزنه وهو لا يشعر بذلك ...
فلم لا نقبل على الله ولم لا نلجأ إلى الله
فهو الوهاب الرزاق المنان الرحيم الرحمن
يا من يرجى في الشدائد كلها = يا من إليه المشتكى والمفزعُ
ما لي سوى قرعي لبابك سلما= فإذا رددت فأي باب أقرعُ
جرب أن تصلي ركعتين وتسأل الله عزوجل وتدعوه وستجد أخي الكريم فرقا عظيما
ذق حلاوة الدمعة ولذة المناجاة واشك همك إلى الله وأظهر افتقارك وحاجتك إلى الله تعالى وتذكر أن نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام قال : (( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ))
فاجعل هذه الآية شعارك ودثارك ...
وكما قيل في النبط :
سجدت باسم إلهي عالي الشان = يالواحد الفرد نظرة منك تغنيني
2- الرضا بقضاء الله وقدره :
وقد دل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم (( ناصيتي بيدك, ماض فيّ حكمك, عدل فيّ قضاؤك))
فقد تفقد قريبا أو صديقا أو أبا أو أما فارض بما بقضاء الله وقدره
وقد تصاب بمرض أو تخسر في صفقة تجارية فكل مسلما لأمر الله
وتأمل في حال الأنبياء والرسل فإن كنت فقدت ولدا فالنبي صلى الله عليه وسلم فقد كل أبناءه في حياته إلا فاطمة رضي الله عنها
وإن كنت أصبت بمرض فتذكر نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام فقد نزل به بلاء عظيم جدا فقد قال صلى الله عليه وسلم (( إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد ))- صححه الألباني في الصحيحة - .
سبحان الله ... ثماني عشرة سنة وهو صابر محتسب ...
فاصبر على قضاء الله وقدره فإن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم
واحذر أشد الحذر من التسخط على قضاء الله وقدره فلا تضرب الخد ولا تشق الجيب واحذري أختي الكريمة من النياحة فهذا الأمور كلها ليس فيها تسليم لأمر الله وقضاءه وقدره ...
3- دعاء الله عزوجل ومعرفة أسماءه وصفاته :
ودليل هذا قوله صلى الله عليه وسلم (( أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك, أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك))
فالدعاء هو العبادة فأكثر من الدعاء وتضرع إلى الله تعالى
وتذكر أن الله عزوجل قال : ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ))
وقال تعالى (( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض ))
فإذا أردت أن يذهب الله همك ويكشف غمك توجه إلى الله وعليك بالدعاء خاصة الدعاء بأسماء الله الحسنى فقد قال تعالى (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ))
قال بعض السلف :
لبست ثوب الرجى والناس قد رقدوا = وقمت أشكو إلى مولاي ما أجدُ
وقلت يا عدتي في كل نائبة = ومن عليه لكشف الضر أعتمدُ
أشكو إليك أمورا أن تعلمها = مالي على حملها صبرٌ ولا جلدُ
وقد مددت يدي بالذل معترفا = إليك يا خير من مُدت إليه يدُ
فلا تردنها يا رب خائبة = فبحر جودك يروي كل من يردُ
4- قراءة القرآن :
فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( أن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري, وجلاء حزني, وذهاب همّي وغمّي))
فقد شبه القرآن بالربيع والمطر الذي فيه حياة للأرض فكذلك القرآن فيه حياة للقلوب فكم من حزين لما أقبل على القرآن أذهب الله عنه حزنه وكم من حزين لما أعرض عن القرآن وأدمع سماع ما حرم الله زادت عليه همومه وأحزانه
وكما قيل :
حب الكتاب وحب ألحان الغنا = في قلب عبدٍ ليس يجتمعان
وفي نهاية الحديث وعد نبوي بأن من قال هذا الدعاء – مع يقين بالله وصدق في الدعاء – بأن الله عزوجل سيذهب همه وغمه