رحلة في أعماق التراث الشعبي لمدينة جبن |
الثلاثاء, 19-يوليو-2005 |
الضالع / / صالح علي الجبني - رتبت أوراقي، واسقيت قلمي حبراً، استعداداً لبدء رحلتي التي اشتقت إليها طويلاً، وأحببتها كثيراً، استفدت منها بشكل كبير، انتقلت عبرها إلى أماكن جميلة متفرقة، والتقيت خلالها وجوها باسمة متعددة خلال رحلتي هذه التي بدأتها من مدينة جبن- مدينة الملوك – لا أخفي أنني استمتعت بالغوص في بحر تراثها الشعبي ولم أجد له شاطئاً، ومرحت في واحة شعرها الأدبي، وتذوقت حلاوة قصائدها الجميلة، وشربت من ماء عاداتها وتقاليدها العذبة، واستقرأت فيها حقيقة مرحلة تاريخية هامة من مراحل التراث الشعبي لمديرية جبن العريقة. في رحلتنا هذه لم نكشف كل محتويات ومكنون التراث الشعبي لمديرية جبن بجوانبه المتعددة، وأشكاله المتنوعة، ومفرداته المختلفة، وإنما توقفنا على جانب واحد (القصيدة الشعبية) والشعر المليء بالحكايات الحقيقية الصحيحة، والزاخر بقصص شعراءها الواقعية المثيرة. بدأنا محطتنا الأولى في هذه الرحلة مع الفنان/ فضل اللحجي- في مغناته لقصيدة الشاعر المرحوم الشيخ/ أبو بكر ناصر عبدالرب ويس الذرحاني- المولود في مدينة جبن حوالي القرن التاسع عشر للميلاد تقريبا والمتوفى بها أيضا، والتي تقول بدايتها: يا الله يا من على العرش اعتليت * يا عالماً كل ما عبدك نوى هذه القصيدة رددها وتغنى بها كثير من الفنانين والشعراء اليمنيين وغيرهم من دول الخليج العربي حتى أصبحت جزءاً من التراث الشعبي اليمني نظرا لجمال أبياتها وروعة كلماتها واصالة لحنها- كان الفنان المرحوم/ فضل اللحجي- هو أول من غناها بعد أن أعطاه إياها ـ الشيخ ناجي الهاجري- أحد أحفاد لشاعر المرحوم- في فترة الخمسينات من القرن الماضي تقريبا- وانتشرت بشكل كبير وسريع ولكن اسم شاعرها لم يكن مقترناً بالقصيدة بسبب النمط الذي اتبعه الفنانون في تلك الفترة- حيث أنه ليس من الضروري أن يسجل اسم الشاعر أو المؤلف أو حتى ذكر مكانه أو بلده- وهذا من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إهمال اسم الشاعر لتلك القصيدة المغناة- بالإضافة إلى عدم البحث من قبل الغنائين الذي تغنوا بهذه القصيدة لمعرفة مؤلفها أو كاتب كلماتها وإنما التفوا بأنها مسجلة ضمن التراث الشعبي اليمني ولهذا عند مراجعتنا القصيدة أنها ليست كاملة وشاملة لجميع الأبيات والكلمات كما صاغها وكتبها الشاعر المرحوم/ أبو بكر ناصر – وينقصها كثير من الأبيات كما سنوضح لاحقاً. قصيدتنا هذه (الذئب) لها حكاية ظريفة وقصة رومانسية جميلة، خاضها الشاعر وعاش أحداثها وترجم قصته في تلك القصيدة الجميلة ذات الأبيات والمعاني الرائعة، والكلمات والتشبيهات الأدبية المستوحاة من اللغة العربية، يتجلى ذلك عندما يقول:- مغلوب ياذيب لو تدري بكيت * عندك دواء لي وعندي لك دواء لا فذت الشمس ياذيب انطويت* إذا كنت جاوع فما لك من قوى أما بالنسبة لحكاية هذه القصيدة فإن الشيخ ناجي الهاجري- يرويها لنا كما عرفها من أجداده فيقول: كان الشيخ أبو بكر ناصر أحد المشائخ القبليين في جبن يتمتع بشخصية قوية، واتزان ملحوظ واطلاع واسع أكسبه حكمة في الرأي، وتميزاً بأشعاره وقصائده- وشاءت الأقدار أن يتعرف على فتاة من مدينته – جبن- أحبها بشغف وأحبته بجنون، ولكنها ليست من قبيلته، فطلبها للزواج غير أن طلبه رفض من أهل الفتاة ليس لعيب فيه، أو انتقاص من مكانته، أو عدم قبول بشخصه، وإنما بسبب أنه متزوج بأخرى ولديه منها أبناء، ولا يرغبون أن يكون لابنتهم طبينة (ضرة)، في الوقت الذي ظهر إصرار الفتاة على زواجها منه، حتى انتشر وذاع خبر هذا الحب- يقابله إصرار أهل الفتاة بعدم تزويجهما- مما أدى إلى الإسراع في تزويج الفتاة من أحد أقاربها منعاً للقيل والقال، والحد من انتشار الخبر أكثر وأكثر. ويضيف الهاجري- أن هذا الزواج لم يدم طويلاً ولم يستمر كثيرا وسرعان ما انتهت هذه الزيجة خلال أيام قليلة لم تتعد الأسبوع. لنعد تلك هي حكاية القصيدة، وقصتها الحقيقية مأخوذة من الواقع، ولكن بشكل مختصر وسريع ونخوض في قراءتها والاستمتاع بكلماتها وأبياتها لإظهار بعض معانيها الجميلة المعبرة. كما هو معروف أن أغلب شعراء مديرية جبن قد اتبعوا نمطا يكاد يكون موحدا حيث تكون قصائدهم وشعرهم وأشعارهم دائمة مقسمة ومرتبة تحتوي على المقدمة المرتبطة بالله سبحانه وتعالى والموضوع أو الحدث والنهاية وغالباً ما تبدأ القصيدة أو الشعر بذكر صفات الله وقدرته كما في قصيدتنا هذه يا الله يا من على العرش اعتليت * يا عالماً كل ما عبدك نوى خالق ومن بعدما تخلق كفيت * مسلم وكافر ورازقهم سوى بعد هذين البيتين فإن الشاعر يبدأ في حكايته بذكره الوقت وعيب الزمان وتقلباته فيقول: قال ابن ناصر في أبياتي حكيت * الدهر غلاب ماهو شي سوى يا ذيب ياذي من الداير عويت * أيش اخرجك وانت من خلق اللوى قد كنت ياذيب تفعل ما اشتهيت * واليوم أنا وانت في المحوى سوى ونلاحظ هنا أن اللغة العامية أو اللهجة الدارجة تتخلل بعض كلمات وأبيات القصيدة ومحاولة مزجها باللغة العربية، وهذا يعطيها نكهة مختلفة عن بقية أنواع الشعر الشعبي، ووقعها عند النطق بها جميل وخصوصا عندما يكون لحنها شجياً ليستمر الشاعر في سرد حكايته ومعاناته جراء هذا الحب وما آلت إليه أحواله فيقول: مغلوب ياذيب لو تدري بكيت * عندك دواء لي وعندي لك دواء لافذت الشمس ياذيب انطويت * إذا كنت جاوع فما لك من قوى شوقي لبنت السميطي لو غزيت * إذا كنت ياذيب جنبي في الغوى وما للذكريات من حلاوة حال الرجوع إليها وتذكرها وخصوصاً عندما تكون ذكريات لحب طاهر وشريف ومواقف جمعت ما بين المحبين وعفة كست لقياهم على أمل العيش تحت سقف واحد – غير أن ما صادف هذا الحب من عقبات حالت دون الجمع بين الحبيبين تسبب في هيام الشاعر من خلال قوله: ياذيب عادك بتذكر أو نسيت * إن كان ذاكر زمن ذاك الهوى واليوم أنا وانت نفعل ما بقيت * نقضي ونمضي ونفعلها سوى لو كنت صادق في القول يوم حكيت * ما يرضي القلب والخاطر سوى لو كنت ياذيب مثلي ما هويت * البيض والسمر ماهن شي سوى تعبت ياذيب وكم فيها سعيت * لا عدل عندك ولا قسمة سوى أما نتيجة هذه الحب العذري الذي ملأ قلب الحبيب الشاعر وما آلت إليه أحواله فقد انعكس بطريقة مباشرة، فتغيرت حياته، وتكدرت أيامه، والنار أشعلت قلبه وكيانه. ولأن ما صنعه الحب وما خلفه من ألم وجرح في فؤاد الحبيب الشاعر كان غافل عنها لا يدري بما يخفيه الزمن في ثناياه من أحزان وفراق للمحبين وعدم تحقق حلمه بالزواج ممن عشقها وأحبته نرى أن الشاعر يترجم هذه الحقيقة ومرارتها بالأبيات:- من يوم جاء الحب ما ساعة سليت * والحب في قلبي بناره قد كوى لو كنت عارف أمانه ما جريت * ولا تكدر فؤادي بالنوى عشقت بيض الغواني لا سقيت * وآثار عشق الغواني به غوى ضامي مكاني ولا يوم ارتويت * ولا روي يوم ثاني لا ارتوى ويختتم الشاعر المهيم قصيدته بالصلاة والتسليم على رسولنا الكريم بهذا البيت واذكر نبيي عدما طافوا ببيت * او كلما الحاج الى مكة نوى وبهذه الخاتمة فإن رحلتنا الأولى تتوقف،ولكن لا بد من الايضاح بأن القصيدة (الذئب) المغناة من قبل بعض الفنانين ليست كاملة كما أسلفنا ولم تشمل جميع الأبيات ونجد أن عدد أبيات القصيدة كما في أصلها عشرون بيتاً بينما المغنى منها وما نسمعه في أشرطة التسجيل (الكاسيت) لا تتعدى الثمانية الأبيات أضف إلى ذلك أن بعض كلمات القصيدة قد صيغت بطريقة مختلفة (ارتجالية) ليست كما جاءت في القصيدة الصحيحة. |
[url=https://juban.ahlamontada.com/javascript:openwin('addcomments.php', 'comment', 250, 415, 'no', 23085);][/url] | |||||
تعليق | إرسل الخبر | إطبع الخبر | RSS | حول الخبر إلى وورد | |
التعليقات |
05-02-2008
شكرعلى من ساهم في احيا التراث الاصيل في مديرية جبن مع تحياتي لكم بالتوفيق ))***ابوعلي
علي الجبني (ضيف)
09-01-2008
اولا اتوجه با الشكر القدير الي الاستاذ\ صالح علس محمد الجبني علي اهتمامه البالغ بمديريه جبن وتراثها الغالي علي كل قلوب اهل المدينه الشرفاء .ونقول الي الامام الي كل من يعمل علي اظهار تاريخ مدينه الملوك التي لطالما حاول الغافلون دفنه تحت الانقاض.شكرا لك من اعماق قلوبنا يا استاذ صالح علي جهودك وبارك الله عملك.
محمد الاشعر (ضيف)
17-09-2007
نشكر من ساهم في هذا ونتمنى التواصل دائمآ بين كل الاخوة في مديرية جبن الحبيبة بكامل عزلها وقراها بدون تحديد ورمضان كريم وسلامي لاهالي قرية جبوب خولة حجاج
عادل عبدالله اسحاق (ضيف)
04-09-2007
نشكر جميع من ساهموا في هذا ونرجو من الاخوه المساهمه في التواصل بين جميع اهالي مدينة جبن وكذلك اهالي القراء المجاوره بدون تحديد والتواصل فيما بينهم جميعا وشكرا
عبدالمحسن ابوسويد (ضيف)
29-03-2007
كل الشكر للاخ صالح علي على اهتمامه بالتراث لمدينة جبن وارجو ان يكون الاهتمام بالمديريه بشكل عام وشكرا
عادل عبدالله اسحاق(ضيف) (ضيف)
26-02-2007
نشكر الاخوه على هذا التعليق والشكر الجزيل للاخ صالح علي محمد على هذا البرنامج
ابن الشريف (ضيف)
24-02-2007
انسب القصايد لاصحابها يا محترم هذه القصيدة للشريف حسين بن محمد بن ناصر الملقب بابن القايفيةوالقصيدة وقصتها مشهورة لدى الجميع وقد قالها اثناء سجنه من قبل الاتراك في صنعاء ولستم الوحيدون ممن نسبوا هذه القصيدة لانفسهم فقد ادعاها الفنان الكبسى ان اباه هو صاحبها
سعد المسيكي (ضيف)
20-11-2006
نشكر الاخ صالح على الاهتمام بمثل هذه المواضيع التي تبرز تراث المنطقة ونرجو منه الاهتمام بتراث القري المجاورة مث التراث الحجاجي ( من ابناء قرية مسيكه)
امين الحاج حسين (ضيف)
16-09-2006
في البداية اتواجة بلشكر الجريل الئ الاخ العزيز صالح علي محمد في اظهار حقيقة هذة القصيدة التي ترجع الي جبن بلاد الثقافة والتراث الشعبي الغني بالمفردات القوية التي تدل علي مكانت شعراء الشعر الشعبي في جبن واني قد قراةء ذات يوم ان هذة القصيدة الي شخص اخر من لحج ولكن لجهود الاخ صالح واهتمامة بلشعر الجبني قد انار عقول ابناء هذة المديرية في فهم مغازي ومعاني هذة القصيدة واخير اتوجة الي ابناء مديرية جبن الذين ساهموا في هذا التعليقات كما اشكرالاخ صالح واحثة علي المزيد في اظهارونقل تراث وثقافة جبن
علي رزق العمري (ضيف)
21-05-2006
اتوجه بالشكر والتقدير الى الاخ صالح الجبني بما اظهر واوحى الينا من ملامح وثقافة وتاريخ وتراث مدينتنا الحبيبه التي خلدت تاريخها من عشرات القرون بما فيها من ملوك وتراث وفنون وحظارات يشهد لها التاريخ اليمني
أبوصقر:جوبع (ضيف)
12-05-2006
بما ان تعليقي على هذا الموضوع قد اتى متاخرا بعض الشي،لكن لابد من الأشادة، بالأخ العزيز صالح علي الجبني:على اهتمامه المتواصل بابراز التراث الحضاري لمدينة ،جبن التاريخيةونتما ان يستمر هذا العطى المتدفق من منابع مدينة جبن ورجالها،الأوفياء،والأستاذ صالح علي يمثل نموذج حي وصادق على الوعي الثقافي الذي وصل اليه أبن،مدينة جبن،مع تمنياتي للجميع بالتوفيق والسداد،
مدينة الملوك (ضيف)
01-10-2005
السلام عليكم نحيي الاخ الاشتاذ صالح على محمد على كل ما كتب عن مدينة الملوك . ونعلن أنه في القريب العاجل بأذن الله يكون موقع خاص بالمديرية وأسم الموقع www.juban-city.com أما بنسبة للموقع لحالي وهو لفترة مؤقته فهو http://jubancity.tripod.com/ او www.freewebs.com.alhajj
فاروق الجبني (ضيف)
30-08-2005
نحن ابناء جبن الحبيبة نتوجة بالشكر والتقدير للكاتب المحترم(صالح علي الجبني)وصحيفة الموتمر نت الغراء..على اظهار من ملامح تقافة ابناء جبن وشكرا جزيلا لكم
احمد عيسى الذرحاني23\8\2005 (ضيف)
23-08-2005
نعم هذه جبن التاريخ ولحظاره من القدم ان اهتمام موقع المؤتمر نت بهذه المدينة التاريخيه وكل المدن في الجمهوريه وايصالها الا كل من يريد ان يعرف تاريخ اليمن الحبيب نشكر الاستاذ صالح علا هذا الجهد كما نشكر القايمين علا هذا الموقع وشكرا
كاتب يمني (منير الذرحاني)
10-08-2005
يتوجه عدد من المغتربين من ابناء مديرية ( جبن ) بالشكر والتقدير لصحيفة المؤتمر الشعبي العام وذالك لاهتمامها الكبير بهذه المنطقه التاريخيه .
احمد عيسى الذرحاتي (ضيف)
26-07-2005
26\7\2005نعم ان المواظيع التي يتطرق اليها الاستاذ صالح ولمتمثله في التراث دليل علا اهتمامه الكبيربهذ التاريخ اذ نحييه ونحيي القايمين علا هذ الموقع المتميز مع خالص تحياتي
Abdulnasser Ahmed (ضيف)
22-07-2005
Congratulation to Saleh Ali for addressing such our neglected local poetry. Juban is rich with literature and what missing is documenting this literature and publishing it for the people to enjoy and for new poets to learn from it. Please focus to get these poem published in a booklet. I am sure you make money on it and people get to enjoy such high class poetry. Saleh, do forget to get hold of some of the poems of my grandfather, Ahmed Saleh Abu Ali. I am positive that you and others will like them. Saleh, I know how to type in Arabic, but my computer is not cooperating. I am sure you find a translator if you need one.
منير الذرحاني (ضيف)
21-07-2005
نعم هذا هو الاستاذ صالع علي : بأسلوبه العجيب , ونشاطه الفريد , دائما وهو مخلص منذ زمنا بعيد , يلمع الذكريات , ويجدد الحكايات , رحمة الله علئ الشيخ : أبو بكر ناصر ويس الذرحاني وكل شعراء المنطقه المبدعين ... بكل صراحه لقد كنت واثق ومتاكد بأن صحيفة المؤتمر الشعبي العام ستكون قد أستقبلت هذه النبذه التاريخيه من ( مدينة الملوك ) بكل ترحيب واعتزاز , ذكريات لا تنسئ ومحتويات لا تقارن , وقد وجدت في المؤتمر نت سابقا (( يا دار هران , يا تحيف الاركان , ركنين فضه , وركن مرجان , وركن من عهد النبي سليمان )) ويقال انها بدايه لقصيده كبيره للمرحوم سليمان أبوبكر الذرحاني , سنحاول كشف الباقي قريبا.