منتدى مدينة الملوك - مديرية جبن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى مدينة الملوك - مديرية جبندخول

منتدى مدينة الملوك - مديرية جبن


descriptionمعنى الإسلام Emptyمعنى الإسلام

more_horiz
معنى الإسلام

تقدّم القول أنّ تعدّد رسل الله واختلاف الأحكام التي جاءوا بها لا ينافي وحدة الدين بمعنى الرابطة الوثيقة بين الخالق والمخلوق. وكل كلمة من الله هي نور بدون اعتبار لزمانها ومكانها أو الأفق الذي أشرقت منه: فالزبور والتوراة والإنجيل والقرآن كلها كلماته ونوره ورباطه الوثيق وعهده المصون، كما قال تعالى: "مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يِتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ"١ ، فلا شك أن الآيات التي يتلوها أهل الكتاب هي آيات الإنجيل والتوراة، وليست آيات القرآن الكريم.

وفي قوله تعالى: "مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نَنْسِهَا نَأْتِ بِخَيرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا" بيان واضح يؤكد الوحدة التي تربط جميع آياته - بدون تخصيص أو تحديد - والعروة الوثيقة التي توحد الرسالات الإلهية المتعاقبة. والمستفاد من لفظ "نَنْسَخْ" أن بين آيات الله وحدة لا تنفصم بطول الزمن بين رسالة وأخرى، فالآية اللاحقة إن تعارض حكمها أو مفهومها مع آيات سابقة حلّت محلّها واعتبرت تعديلاً لها، لأنه لا يتصور وجود تناقض في كلام الله وتفاوت في الأحكام التي يطلب من عباده اتباعها في زمن معين. والآية المذكورة تجزم بأن الآية الناسخة إمّا تماثل المنسوخة أو هي خير منها.

ولا يفهم من لفظ "خير منها" في هذا الموضع معنى المفاضلة بين الآيات سواء من حيث صوابها أو دقة إحكامها، فذلك مناف للكمال الإلهي ودوامه على حال واحد لا أحسن فيها ولا أسوأ. فليست المفاضلة هي المراد من قوله: "بِخَيرٍ مِنْهَا" وإنّما المقصود أن الله يبدّل آياته وأحكامه بما يناسب مدارك الإنسان المتنامية، وظروف نشأته المتغيّرة. وواقع الحال أنه ليس تغييراً وتبديلاً لتصحيح أو تحسين الكلام، ولكنه استبدال اقتضاه التدرج في تربية الإنسان وتهذيب فكره وتنظيم حياته، فآيات الله نظم مكنون في كتاب محفوظ يكشف عنه رسله تعالى بقدر طاقة أهل الإمكان ووفقاً لمدى تقدمهم وقابلياتهم. وليس من شأن العبد أن يقارن أو يفاضل بين أجزاء هذا النظم، وإنّما واجبه التسليم والإيمان بما فيه "كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا"٢.

من هنا نرى أنّ الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والزردشتية وسائر الديانات السماويّة كلّها من حيث أصولها وغاياتها فيض إلهي واحد، وهي تختلف بطبيعة الحال من حيث زمانها وأسلوبها وتعاليمها ولكنها متحدة في سعيها لعلاج ما اختل من شؤون المجتمع البشري بما يتفق مع درجة بلوغه ورشده، وإعداده لمتابعة السير في مراحل التطوّر الروحاني غير المتناهية.

وفي هذا السياق العام يمكن فهم قوله تعالى: "اليومُ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً"٣، فهذا الخطاب الرحماني موجّه بنوع الخصوص إلى أمّة سيدنا محمد ويحتمل أن تكون الإشارة فيه إلى رسالته. ولكن كلمة "الإسلام" في قوله تعالى "وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيْناً" تفيد أكثر من معنى. فلكلمة الإسلام لُغَةً معانٍ عدة. ومن معانيها الخضوع والانقياد لكل ما يأتي من عند الله، وإسلام الوجه إلى الله، وتفويض الأمر إليه. كما أن من معانيها أيضاً اتّباع شريعة محمد رسول الله.

وهذا المعنى الأخير الخاص للفظة "الإسلام" هو الذي اعتبره أكثر المفسّرين، فقد جاء في مختصر تفسير ابن كثير لهذه الآية "هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأُمّة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره"٤ ويعود ابن كثير فيقول في الصفحة نفسها تفسيراً لهذه الآية: "لما نزلت "اليَومُ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ" وذلك يوم الحج الأكبر بكى عمر، فقال له النبي: ما يبكيك؟ فقال أبكاني أنّا كنّا في زيادة من ديننا، فأمّا إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلاّ نقص، فقال: "صدقت"، ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت: "إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء"٥.

ولا تـثريب على عامة المفسّرين إذا عظّموا دينهم ورفعوا قدره ومدحوه مع ملاحظة عدم الإسراف في ذلك، وإلاّ وقعوا في الخطأ الذي وقعت فيه الأمم السابقة فضيّقوا المعاني المبسوطة، وخصّصوا فيها بدون دليل، وأوجدوا التعصب الأعمى وأضلّوا الكثير من الناس. وقد رأينا - فيما سبق - أن اليهود اعتبروا كتابهم كاملاً حاوياً كل شيء، وما زالوا يردّدون أن شريعته شريعة أبدية لا تتغيّر وليسوا في حاجة إلى غيرها. وقد كان هذا الفهم صحيحاً في زمان شريعة سيدنا موسى كما صدّق بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: "ثُمَّ آتَيْنَا مُوْسَى الكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِم يُؤْمِنُونَ"٦، فكتاب سيدنا موسى عليه السلام كتاب تام، وفيه تفصيل كل شيء، ولكن إطلاق هذا الوصف على نحو يسد باب الهدى من بعده، وينهي رسالات الله، ويزعم أن "يَدْ اللهِ مَغْلُولَةًٌ"٧ تضييق للمعنى وخطأ أدّى بهم إلى تكذيب رسل الله الذين بعثهم الله بالحق من بعد سيدنا موسى.

فتخصيص معنى "الإِسْلاَمَ" على وجه الإطلاق لا يتفق وسياق الكلام، وينحرف عن المراد. وحصر معنى "الإِسْلاَمَ" في قوله: "وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً" في الإشارة إلى شريعة سيدنا محمد لا مبرر له ولا دليل عليه، فالآية تحتمل أيضاً المعنى العام للفظة "الإِسْلاَمَ" أي تسليم الوجه إلى الله والإذعان لأوامره تعالى وهذا هو جوهر الدين وحقيقته. وبهذا المعنى وصف الله الأمم السابقة بالإسلام كما قال في معرض الحديث عن سيدنا إبراهيم: "إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِيينَ"٨، أو دعاء سيدنا إبراهيم وإسماعيل "رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمِينَ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ"٩، وكذلك وصيّـته لبنيه: "يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُم الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ"١٠، كما كان حواريوا سيدنا عيسى أيضاً مسلمين: "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيْسَى مِنْهُم الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"١١.
.





descriptionمعنى الإسلام Emptyرد: معنى الإسلام

more_horiz
اشكرك كثيرا على هذه المشاركة وجزاك الله الف خير.
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد