أخي الكريم:مررت سريعاً على حزمة النصوص المنشورة هنا باسم شخصكم الكريم، واخترت هذا النص تحديداً لأن عنوانه استرعى انتباهي دون بقية النصوص..
فــ (عينيك) مفردة وحيدة ليس لها مُـحَـدِدٌ إعرابيٌ لأنها لم ترد في سياق جملةٍ بعينها.. وقد انتبه علماء النحو مبكراً إلى هذا الإشكال فأجمعوا أمرهم على أن الأصل في الأسماء هو الرفع ما لم يأت في السياق ما يصرفها عن الرفع إلى النصب أو الجر!
وعليه، فأنني أجزم هنا أن الطريقة الصائبة لكتابة العنوان هي: عيناكِ..
على أن هذا الأمر لم يقف عند العنوان فحسب، بل انتقل إلى الجملة الاستهلالية في النص: علمتني (عينيك) عيناكِ..
ولست بحاجة إلى تذكيرك بعلامتي التثنية في الأسماء العربية، وهما: الألف عند الرفع، والياء عند النصب والجر، إلا أن إغفالهما يعتبر أمراً معيباً بالنسبة لشاعر يمتلك مقدرة تعبيرية فذة كتلك التي تمتلكها!
وكذلك الحال مع (شفتيك).. فهي (شفتاكِ).. لأنها فاعل، والفاعل مرفوع بلا ريب!
وبالعودة إلى تعليقك بشأن سكون الدال في (رماد وجحود)، فإن أخاك لم يجد مبرراً مُـعْـتَـبَـراً للاكتفاء بالسكون كعلامة إعراب للكلمة التي تنتهي بها الجملة!! فهو أمرٌ غريبٌ حقاً!
دعني يا سيدي أتفق معك على جواز تسكين آخر الكلمة التي يتحقق عندها تمام المعنى فتنتهي بها الجملة.. بيد أن هذا قد يجوز عند النطق مع عدم جوازه عند الكتابة، مع وجود استثناءات محدودة ونادرة..
ولعل الموضع الاستثنائي الوحيد الذي يُـجْـزئ فيه السكون عن علامات الإعراب الأخرى، نطقاً وكتابة على السواء، هو موضع (القافية) بصفة حصرية..
ولأن نصوصك ليست من جنس الكلام الموزون المقفى، فإن التوقف بالسكون - في هذه الحالة - لا تبرره ضرورة معتبرة، ولا تستسيغه ذائقة سليمة!
ثمة أمرٌ آخر أعتبره من صميم أي رؤية نقدية تتناول نصاً أدبياً، وهو ضروة التفريق بين الإبهام والغموض في الدلالات التي يشف عنها النص الإبداعي.. فالمسافة الفاصلة بين الإبهام والغموض يمكن تشبيهها بالمسافة الفلكية التي تفصل كوكبنا عن أقصى جرم سماوي مرئي!
فـ (الغموض) يمثل مسلكاً فنياً يتيح آفاقاً أوسع للعلاقة الحميمة بين اللغة والقارئ، بحيث تصبح اللغة كالجوهرة في جوف المحارة، وعندها يكون لزاماً على المتلقي أن يبذل جهداً لشق المحارة بغية الوقوف على جمال ما بداخلها، لكنه في النهاية يصل إلى مبتغاه، فيخرج المعنى الذي كان مختبئاً في بطن الشاعر!
أما الإبهام فإنه يلقي بالقارئ وسط خضمٍ متلاطم من (الحيرة) لا مرفأ له ولا فنار.. في حين أن بضاعة الشاعر الأكثر رواجاً هي الدهشة وليست الحيرة، وشتان ما بين الاثنتين!
وفي هذا النوع من النتاج الأدبي، غالباً ما يلجأ المتلقي إلى التأويل الحرفي للنص بعد أن تضيق به سبل التأويل الأخرى، إلا إذا تدخل الشاعر في اللحظة الأخيرة لِـيَـفُـكِّـك (شفرة) النص كما فعلت أنت في قراءتك لنصك الموسوم بـ (راقصة)!!
واسمح لي بالقول: "إن هذا من أغرب ما صادفني طيلة أعوام من القراءة المكثفة في كل ما يتصل بالشعر والأدب".. فليس منطقياً أن يكون النص الإبداعي مرفقاً بــ (كاتلوج) يعين المتلقي على التعاطي السليم مع لغة النص!!!!
والأسوأ من ذلك أن لا يكون الشاعر موفقاً في اختياره لـ (الكاتلوج) المرفق مع النص!
فلو أخذنا نصك الموسوم بـ (راقصة) كنموذج، فإننا لا نجد أية إيماء يمكنه أن يحيد بلغة النص عن مدلولها الشهواني الصارخ، بحيث يضعها في سياق آخر يتناول قضايا كبرى كـ (الأرض، والهوية، والمبدأ، والنضالات التحررية)، فهذه المعاني السامية يستحيل علينا أن نرمز إليها بمفردات من قبيل (النهد، والأرداف، والخاصرة، وغيرها من التفاصيل الجسدية)!.. إلا إذا كنا نريد أن ننال من رفعة شأن هذه المعاني العظيمة في الضمائر الحية..
سأكتفي في هذه اللحظة بما جاء أعلاه.. وأعدك أن أعود مجدداً لتسليط المزيد من الأضواء النقدية على ما تكتب هنا.. على أمل أن أجد في صدرك متسعاً لما أكتب..
تحياتي لشخصك الكريم.. وطابت أوقاتك.