يعتبر ليونيل ميسي الملهم الأوّل لجماهير برشلونة وحامل آمالها الدائم بتحقيق الانتصارات بل بضمانها بمجرّد وجوده يجوب المستطيل الأخضر, من هنا لم تسلك الغرابة طريقاً لبال أحد حين صدحت جماهير الفريق في نهائي كأس ملك إسبانيا منتصف الأسبوع المنصرم أمام أتلتيك بلباو, بإخراج "الجوهرة الأرجنتينية" من الملعب بعد ضمان الفوز بلقب الكأس خوفاً من تعرضه لإصابة. شكّل هذا اللقب باكورة ألقاب برشلونة هذا الموسم, الذي يطمح أيضاً للقب الدوري الذي يفصله عنه نقطة واحدة, وكذلك لقب دوري أبطال أوروبا الذي سيخوض مباراته النهائية في 27 الجاري أمام مانشستر يونايتد الإنكليزي في العاصمة الإيطالية روما. من هنا, وأملاً بضمان إحراز هذين اللقبين لتحقيق ثلاثية تاريخية, رددّت جماهير برشلونة خلال اللقاء مع بلباو الذي انتهى 4-1, "أخرج ميسي، أخرج ميسي يا غوارديولا", وذلك خوفاً عليه وهو الذي يعتبر مفتاح فريقه في تحقيق الانتصارات. كان ميسي كالعادة ميزان الثقل في المباراة مع بلباو, فسجّل الهدف الثاني, وصنع الثالث بتمريرة حاسمة لزميله بويان كيركيتش, وساهم في الثالث حين نال ركلة حرّة نفذّها العبقري الآخر, أفضل لاعب في الأمم الأوروبية الأخيرة, خافي هيرنانديز محرزاً الهدف الرابع للفريق, وجرّاء هذا الأداء نال اللاعب الأرجنتيني نصيباً وافراً من الركل والعراقيل أثارت مخاوف جماهير الفريق الكاتالوني. لا يلوم أحد تلك الجماهير على ما أقدمت عليه, فحبّها الكبير للنادي, وتعلقها الجارف بأبرز لاعب كرة قدم في العالم حالياً ومعرفتها لوزنه الفني, دفعاها لهذا الهتاف, فقيمة ميسي لا يعلوها شأن, ووجوده دائماً ما شكّل ويشكّل حالة إزعاج وإرباك في صفوف الفرق الأخرى, مما يستوجب تكتيكات خاصة لإيقاف صولات وجولات الموهبة الأرجنتينية. لكن المدرب غوارديولا, المعروف بحضوره القوي رغم صغر سنّه, رفض الاستجابة لطلب الجماهير وأبقى على ميسي في الملعب, بناء على رغبة الأخير الذي تفهّم مطالب أنصار الفريق, لكنه بررها معتبراً أنه على خير ما يرام, ويمكنه الاستمرار حتى النهاية, علماً أن موسمه حتى الآن خلا من مشاكل أو إصابات قوية. وقد أظهر ميسي بموقفه هذا حسابات وقراءات تجهلها جماهير برشلونة, لكن من يراجع الأمس ومواقف ميسي يستطيع فهم أبعاد أقواله. فالتنقيب في دفاتر البارحة يُظهر لنا لما أصرّ ميسي على البقاء داخل الملعب, رغم أنه خاض موسماً حافلاً حتى الآن ويحتاج للراحة, فاللاعب الأرجنتيني ما زال يتذكر بمرارة كيف أبعدته الإصابة عن خوض نهائي دوري أبطال أوروبا العام 2006 أمام أرسنال الإنكليزي (2-1 لبرشلونة), وكذلك عن نهائي كأس العالم للأندية في السنة عينها في اليابان أمام انترناسيونال بورتو أليغري البرازيلي (خسر برشلونة 0-1), وقد حُرم نتيجة لذلك بعيش فرحة الفوز بدوري الأبطال بكل أبعاده, فنكهة الاحتفال من داخل الملعب هي غيرها خارجه, لذا أراد إكمال المباراة أمام اتلتيك حتى النهاية, استمتاعاً بلحظات الفوز بوقتها, تاركاً الغد لمصيره, وهو لا يرغب بتفويت لحظة احتفال وإن شكلت خطراً على سلامته. فنيّاً, ما من ريب أن إيقاف ميسي يعني تعطيل نصف ماكينة برشلونة الهجومية, كون الأخيرين وإن أبدعوا, فإنهم يقطفون ثمار تعب ميسي بطريقة غير مباشرة, من هنا يأتي الخوف دائماً من تعرضه لإصابة, فمردوده على الفريق يكون على أكثر من جهة, ففي الوسط يساهم في صناعة الأهداف وخلق الفرص, خصوصاً مع ما يستقطبه من لاعبين مدافعين مما يعطي حرية لتحرك زملائه, وفي الهجوم, يصعب إغلاق منافذ المرمى مهما اشتدت صلابة الدفاع, لذا ليس من المستغرب معرفة أنه سجل هذا الموسم 36 هدفاً مع برشلونة في المسابقات كافة, بعضها من خرم إبرة. توزّعت أهداف ميسي بين ثلاثة وعشرين هدفاً في الدوري حتى الآن, وثمانية في دوري أبطال أوروبا الذي يتصدّر ترتيب هدافيه أمام ستيفن جيرارد لاعب ليفربول, وخمسة في كأس إسبانيا, كما أنه حقق خمس تمريرات حاسمة في دوري الأبطال ومثلها في الدوري الإسباني, إلى جانب ما تخلّفه معزوفاته الفنية من مساحات جراء التشديد الرقابة الدفاعية عليه بأكثر من لاعب. لا يساور اثنان شكاً أن ميسي سيكون عنواناً كبيراً لنهائي دوري الأبطال, فعليه ستتمحور حصة كبيرة من الحسابات التكتيكية لـلـ"سير" أليكس فيرغسون, مثلما سيفعل نظيره غوارديولا لإيقاف الهداف البرتغالي للشياطين الحمر, كريستيانو رونالدو, الذي سيشكّل وجوده وميسي, عنوناً آخراً ستشخص الأنظار صوبه لمعرفة من هو الأقوى, ضمناً, علماً أنه من المؤكد أن الجماهير الإسبانية في روما ليلة 27 الجاري القادمة, لن تنادي بإخراج ميسي إن كان فريقها فائزاً, بل ستهتف له دون توقف تكريماً لما بذله من مجهود طوال الموسم, مجهود أثلج قلوبها (الجماهير) الظمأى للألقاب, وهذا أقل ما تفعله للاعب يعشق الفوز غير آبه بالإصابة. | |||||||
|