عندما يهوي القمر
2
عندما أشرق فيه الوطن وحـــنَّ إلى منبعه الصافي حيث السَّماء تتلاءلاء بالنجوم والأرض تشرق بالقامات التي مضت في سماواته أقماراً ونجوماً تلف كوننا بحزم ضوء يبصرنا بماضينا ومستقبلنا .. ركب الحلم ، وامتطى صهوة الشمس وأقبل مفعماً بالأمل .. يسكن فؤاده زمناً مبهراً حاكهُ من أوجاع الوطن ودروب الغربة .. وفواجع الليالي المشتعلة باللهب يحرق مسالك الجياع الحفاة في وطن الألق والشروق .. تسامقت روحه هـــواً مشتعلا ودرباً محفوفاً بشتى المخاطر.. فالزمن ضباب والناس لايعرفون بعضهم فلهم أسماءً أخر .. وأزمنة تتقاطع وأفكاراً ورؤى تتلاطم في الجرح الغائر في في خاصرة الوطن .. إبراهيم أفضى إلى الله في الليلة السوداء وسقط عن صهوة الفرس واللقاء المرتقب لضفتي الجرح ، واعتلى المهرة الليل ليسترسل الدم في النزف والجرح في الإتساع ويتنائى اللقاء .. يهوي أول الليل في حدقة الصبح وفجر كاد أن يشرق .. غير أن الدماء أمطرت الوطن وسافر الشهداء في عناق يتحدَّى الرصاص .. وسافر الحلم بين الضفتين يبحث عن أشواقه ويسري في الجرح بلسما يحدُّ من هذا الورم .. لكن ذئب الليلة ما زال والرّاعي بين مد وجزر وكر وفر.. وفي أحايين كثيرة يعمد الرَّاعي للإسترخاء في ظل من أزال وريف .. وفي أحايين أخر يعمد الرَّاعي في زحمة هموم عرشه إلى تأجير المستقبل لجيرانه ويرتاح في ضفته من الجرح .. ويتسيّد الذئب عندها ويبكي الوطن فرسانه ..
وفي تلك اللحظة التاريخية كان واحداً من الذين سلكوا الطريق المعاكس لتيار الغربة في الأصقاع السائد حينها .. جاء قامة عالية من قامات الأمل .. الفجر .. عاد إلى حضن الحبيبة وأفاقه لا تحدها حدود .. عانق القصيدة وسرى في الدم الأخضر .. بستان حب في حديقة الوطن .. ناخ الجمل وأسرج فرسه وركب البرق .. ومضى يوزع الحب في الوديان ويزرع الشمس عناقيدا تمشط الأرض من جلادها بشقيه الأسود .. والأسود ..
كأسك ياوطن ،، عمر المختار ،، الرسالة ،، عنترة ،، صلاح الدين الأيوبي ،، جمال عبدالناصر .. مسلسلات ووثائق تاريخية وجغرافية عن الوطن الكبير والألم الكبير والحب الكبير .. كانت تبث من موقده الذي أحرق قلب الليل وأشباحه واستولد الصبح وأفزع الذئبة المسعورة إذ بزغ للحمل الوديع نابا ومخلبا وعينا بصيرة تثقب الليلة الحالكة السواد ..وذات مساء هجم وحش الليل وأطبق حصاره على جبن الأباء وقلعة الشموخ .. أقفلت جميع المنافذ على الجرح النازف وأمطر الليل صواعقه على الحبيبة مطرا من رصاص ودم .. وتأتي قذائف الهاون وكواتيش الدماروالقذائف الصوتية من هناك .. من حيث اسرج الليل ذئابه .. تسقط دونما إنذار فتقع على الجرح جراحا مفتوحة لنزيف الوطن.. فيهوي فلاح في مزرعته .. وطفل يحلم بقمر يحتضنه وسنونوة يقبلها وقطعة حلوى يداعبها بين فكيه، ولعبة تأخذه إلى عالم السحر والخيال .. وأمرأة تعد الطعام للصغار تهوي قبيل استواء العجينة مضرجة بالدماء .. وجمال وحمير وأبقار وبهائم
تسعة أشهر من الحصار المحكم .. ثلاثمأة وعشرون يوما من الجوع والمرض والخوف والترقب للمجهول غادرنا فيها كوكبة من الشهداء .. تسعة أشهر استولد الليل بشقيه مخاضه فجاء الوليد شائها دمويا .. مؤلما .. نزفت جبن خيرت رجالها .. وفي هذه الساعة من الألم والجراح شهدت ضفتي الجرح حراكا خفيا .. صقيعا وبركان .. فأما الصقيع ففتح للجرح بابا لسيل الشباب المدافع عن الأرض يمر في ليل الأرض وتمتصه صحاري الوطن .. وأما البركان ففتح فوهته الهوجاء على بقايا أمل محصور بين ضفتي الموت .. وسقطـــت جبــــن .. سقطت جبــــن ..
ووقع أسيرا بعد أن دُك المنزل الذي تخندق فيه وأسقطت أحجاره حجرا حجرا بمئات من قذائف الآر بي جي مضادات الدبابات .. مضى مع آسروه لكنه لم يعد .. وقبل أن يهوي القمر شهيدا في شعاب من الحلم أرسل قبلا مع عصفورة من الجنة رفرفت بجانحيها وسرت في الليلة الحزينة تسطر الآف القبل فوق سماء جبن والوطن الحلم ووجه الحبيبة وملاكين يرقدان ببراءة حيثما كان يرقد البطل .. الشهيد صالح العليي
يحلم بوطن .. يشرق فيه الوطن ..