الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه وبعدُ:

فإنّ المسجد قلب المجتمع المسلم النابض، يأتي إليه المسلمون في كل جمعة بأكمل حالة للانتفاع والاسترشاد، إذ يتهيئون بالاغتسال والتطيب ويبادرون بالتبكير والسَّبْق، ويلتزمون الهدوء والإصغاء إضافة إلى معنى التعبُّد العظيم والتديُّن لله جلَّ وعلا، مع إجلال المنبر وتقدير الإمام ممّا يجعل خطبة الجمعة رسالة عظيمة في التوعية والتوجيه والإرشاد نحو الأفضل والأكمل للمسلم.

وإنّ الجريمة الشنيعة التي ارتكبها الصهاينة المحتلون وما يزالون على إخواننا في غزة لها آثارها وأصداؤها الكبيرة في كل العالم، ولها دلالاتها وتَعلُّقاتها الدينية السياسية والقانونية في الدائرة الإقليمية والدولية، ومن المهم أن يكون دور المنبر متميزًا في مشاركته في هذا الحدث، فالمنبر أخلص مقصدًا، وأصدق لهجة، وأنزه لفظًا، وهذه ومضات أقدمها لإخواني الخطباء لعلها تكون معينة ونافعة.

1- حقيقة الصهاينة اليهود في عدائهم للإسلام والمسلمين: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:82]، وعداؤهم لا حدَّ له من اعتبارات قانونية أو إنسانية {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة:10]، وأنّ طبيعة عدائهم مستحكمة مستمرة؛ {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]، وبيان ذلك يصدقه الواقع خلال أكثر من 60 عامًا من الفظائع والمذابح التي تمثل أعلى درجات الإجرام، وأجلى صور انتهاك القوانين الدولية والحقوق الإنسانية.

2- المؤمنون الصادقون، والمجاهدون الثابتون ينطلقون من أسس إيمانية وقواعد إسلامية ومسلمات يقينية يستمدونها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإخواننا في فلسطين ضربوا أروع الأمثلة في صمودهم وثباتهم وتشبثهم بحقّهم والتصاقهم بأرضهم، ومواجهتهم لعدوهم الغاشم، وهم مضرب مثل للأمة المسلمة في هذه المعاني، وساحتهم واضحة فهم في جهاد شرعي صحيح مع عدوّ غاصب معتدٍ منتهكٍ للحرمات ومدنسٍ للمقدسات، وجهادهم ومقاومتهم مشروعة بالشرائع السماوية والقوانين الأرضية.
ولعلَّ في ثباتهم في هذه الهجمة الشرسة وما رأيناه على شاشات القنوات من توحيدهم وشهادتهم، وما نسمعه ونراه من ذويهم من الصبر والاحتساب لله عزَّ وجلَّ يذكرنا جميعًا بقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، وقوله: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء:104]، ونحن نوقن بأن {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:171-173]، ونسأل الله أن يتقبل موتاهم في الشهداء وأن تحيا هذه المعاني في الأمة: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169].

3- التأكيد على إسلامية القضية الفلسطينية، وأنّها ليست شأنًا يخصّ العرب أو يقتصر على الفلسطينيين وحدهم أو يرجع إلى بعض فصائلهم بل هي قضية كل مسلم؛ لأنَّ الأقصى قِبْلة المسلمين الأولى ومَسْرَى رسول الأمّة وأرض فلسطين وقف للمسلمين وقد فتحها عمر رضي الله عنه وحررها صلاح الدين وروى ثراها دماء الشهداء المسلمين في قرون متطاولة، فبيّنوا للأمة بكل وضوح وجرأة حقيقة القضية الفلسطينية، وصلتها بهويتنا وعقيدتنا الإسلامية، وارتباطها بمسرى الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى، وأنّها قضية المسلمين التي ينبغي أن يعتنوا بها جميعًا. فلا ينبغي أن تضيق دائرتها ويتم التخلي عن أهلها فإنَّ لهم علينا حق الأخوة وواجب النصرة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» [صحيح البخاري].

4- التعاطف والتأييد الشعبي الإسلامي الواسع الذي نقلته شاشات الفضائيات فضلًا عن المبادرات بالمساعدات المعنوية والمادية إضافة إلى التنادي إلى بذل كل الجهود الممكنة لصدّ العدوان ونصرة إخواننا تدلّ على أنّ الروح الإسلامية في الأمة ما زالت بخير وأنّها تنحاز إلى دينها وأمتها وتغار على حرماتها وتنتصر لأخوتها وهذه معانٍ عظيمة ينبغي الإشادة بها والاستكثار منها.

5- البُعْد عن التعرُّض لما يزيد الخلافات ويُعَمّق الشُّقَّة بين المسلمين سواء على مستوى الدول أو على المستوى الفلسطيني، ويكتفي بالتركيز على الأصول الجامعة من أهمية الوحدة والولاء للأمة وعدم القبول بممالأة الأعداء أو التبرير للعدوان، وأنّ كل موقفٍ سيحاسب عليه صاحبه بين يدي الله يوم القيامة وسيكون في ميزان النقد الإجماعي للأمّة في الحياة، وذلك على كل المستويات لا سيما القادة السياسيون والعلماء والدعاة والكتاب والإعلاميون وغيرهم.

6- الدعوة العاجلة للأمة الإسلامية عامة وإلى أهل فلسطين خاصة لجمع الكلمة وتوحيد الصفّ على مبدأ الارتباط والالتزام بالثوابت المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والحرص على مقاومة العدو وعدم التنازل والتفريط بالحقوق.

7- إحياء المعاني الإيمانية بالتوكُّل على الله والثقة به والالتجاء إليه والتضرُّع والدعاء له، واليقين بأنّ العاقبة للمتقين، وأنّ الظلم والعدوان لا يكتسب شرعية من فرض الأمر الواقع، ولا من القوة التي يمتلكها، ولابدّ من تعريفهم بأنّ المطلوب هو قوة الشرعية وأنّ المرفوض هو شرعية القوة.

8- ومن المناسب توجيه المصلين إلى ما يلي:

‌أ- الاجتهاد في طاعة الله والتقرُّب إليه بقيام الليل والاستعانة بسهام الليل والقنوت، والدعاء الخالص والتضرُّع الدائم لله عز وجل بأن يثبتنا وينصرنا، وأن يدحر عدونا وعدوكم من الصهاينة المعتدين.

‌ب- بذل المال والتبرع لنصرة وتثبيت إخوانكم في فلسطين؛ لمواساة أسر الشهداء والجرحى وإعانة المحتاجين والجَوْعى ومساعدة المرضى وكفالة الأيتام وإغاثة الملهوفين، وابذلوا في ذلك أقصى ما تستطيعون حتى لو بذلتم أغلى ما تملكون.

‌ج- تخصيص إنفاق دائم "يومي أو شهري" منك ومن أفراد أسرتك واجعل صندوقًا للأسرة وحصالات للأطفال يخصص لدعم القضية الفلسطينية، ولا تكتفي بالبذل الذي يأتي مع الأحداث فقط؛ لأنَّ فلسطين وعلى مدى أكثر من ستين عامًا معاناتها مستمرة وشهداؤها يودعون الحياة في كل يوم.

‌د- عرفوا أبناءكم وأسركم ومجتمعكم بقضية فلسطين، ومراحل عدوان الصهاينة المجرمين بالوسائل المختلفة، واحرصوا على ربطهم بهذه القضية من منطلقاتها الإسلامية الصحيحة، وربّوهم على تحقيق معاني الأخوة والنصرة لدين الله وعباده.

وأخيرًا لأهل فلسطين عمومًا ولأهل غزة خصوصًا قولوا: لقد سطرتم ملحمة من أروع ملاحم البطولة التي عرفها التاريخ. اصبروا وصابروا فالله تعالى يقول: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران: 120]، لله دركم، ولله صبركم وجهادكم، ولله تضحياتكم.

نسأل الله تعالى بمِنّه وكرمه أن يكشف عنكم الغمة، ويفرج الكربة، وأن يزيدكم إيمانًا وثباتًا ويقينًا. {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]، والنصر بإذن الله لكم، والخزي والعار لمن تآمر عليكم أو خذلكم، ولسان حالكم يتلو قوله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52].
[i]