علي سالم البيض.. حقائق للتاريخ عن (ثقافة اليمن الجنوبي)
ا
سُئل السيد علي سالم البيض عن مدى خوفه من استغلال القاعدة لأوضاع الجنوب، فأجاب: (اليمن الجنوبي ليست العراق وليست الصومال.. وثقافة الناس وقدرتهم على تنظيم أنفسهم تحميهم)، مضيفاً: (مش مقبول عندنا نحن أي شكل من أشكال عمل الإرهاب.. نحن ناس حضاريين ثقافتنا تمنعنا أن ننزلق نحو مهاوي الإرهاب أو نكون سبب للازعاج والمشاكل).


يبدو أن أعوام اللجوء الـ(15) التي أمضاها "البيض" خارج حلبة التاريخ، جعلت منه رجلاً مثيراً للشفقة، فخيل له أن (اليمن الجنوبي) التي حكمها قبل الوحدة، كانت تفوق العراق ثقافة ونظاماً وأمناً وتنمية، غير مدرك أن السيد أحمد عمر بن فريد لم يترك أحداً دون أن يخبره بأن "فخامة الزعيم الجنوبي" علي سالم البيض، الذي بُعث من الأجداث بعد (15) عاماً من العزلة الخرساء، خذلته ثقافته عن كتابة خطابه السياسي الأخير، وأنه هو من كتبه، واستغرق فيه يومان..!


من سوء حظ "البيض" أنني كنت مطلعاً على تفاصيل زيارته للعراق قبيل إعلان الوحدة، ولقائه بالرئيس الراحل صدام حسين.. وكان ذلك بالضبط في أبريل 1990م، بعد أن اشتدت خلافاته مع الرئيس علي عبد الله صالح حول الأخذ بمبدأ تقاسم السلطات، والذي أيقن حينها الرئيس صدام أن الخلاف لم يكن سوى ذريعة للتراجع عن خيار الوحدة مقابل وعود إقليمية، فبادر إلى تسوية الخلاف مادياً بترضية "البيض" بمبلغ (250) مليون دولار، تم تحويله إلى حسابه الشخصي.. فالمزادات في ثقافة "اليمن الجنوبي" تشمل حتى القضايا الوطنية..!


لست متفاجيء أن يتحدث "البيض" بلغة عنصرية عما أسماه بـ(ثقافة اليمن الجنوبي)، وتصوير أبناء المحافظات الشمالية كـ(متخلفين وهمج)، لأن "البيض" لم يكمل تعليمه ما بعد الشهادة المتوسطة- أي الأساسي- لذلك لم يقرأ عن أمجاد حضارة "سبأ" و"قتبان" و"حمير"، ولم يبلغه العلم بأن جامعة زبيد نشأت قبل الجامع الأزهر بحوالي (200) عام، وأن أوائل أساتذة الجامع الأزهر في القاهرة هم علماء زبيد.. كما لم يعلم أن الملكة بلقيس والملكة أروى هن من المحافظات الشمالية، وقد حكمن اليمن قبل أن يولد "لينين" و"ماركس" و"ماوتسي تونغ"، ويعلمون اتباعهم في "اليمن الجنوبي" كيف يهتفون في الشوارع: (نزع الشياذر واجب)..!!


ولعل السيد "البيض" خير من يتذكر أي ثقافة كانت في "اليمن الجنوبي" آنذاك، لأنه أول من تم تجريده من جميع مناصبه ومراكزه السياسية في عهد عبد الفتاح إسماعيل، بسبب زواجه من امرأة ثانية (السيدة ملكي)، لأن ذلك يخالف قانون الأسرة واللوائح الحزبية التي حرّمت على اليمنيين ما أحل الله لهم في كتابه..!


والمسألة هنا لا تتوقف عند جهل "البيض" بالتاريخ وحسب، أو تنكره للحقائق، بل تترجم ثقافة "اليمن الجنوبي" التي يفاخر بها.. لأن ما يردده "البيض" اليوم حول "تخلف الشمال" هو ذات الخطاب الذي رددته المليشيات الماركسية في السبعينات والثمانينات، واستخدمته سلاحاً لتأجيج الكراهية في نفوس أبناء المحافظات الجنوبية، وتبرير هدر دماء آلاف المشائخ، والعقال، ورجال الدين في حروب عصابات طاحنة، مبنية على فتوى ماركسية تقول (الدين أفيون الشعوب).. بل وهددت بنفس الخطاب أبناء دول الخليج العربي، وتوعدتهم بالويل والثبور تحت شعار "القضاء على الرجعية"، و"انهاء الملكية"، وتصدير الأيديولوجيات الماركسية والماوية واللينينية إلى بلدانها.. ومن يعيد قراءة تأريخ تلك الفترة سيجد أن الوجوه التي تدعو للانفصال اليوم، هي نفسها الوجوه التي قادت أزمات وحروب ومجازر السبعينات والثمانينات، وحرب انفصال 94م..!


ما أسماها السيد "البيض" بـ(ثقافة اليمن الجنوبي) لم تكن إلاّ ثقافة اغتيالات سياسية.. انقلبت على الرئيس قحطان الشعبي 1969م، وأمضت سنوات في مطاردة أنصاره وتصفيتهم عن بكرة أبيهم.. واغتالت الرئيس "الشمالي" أحمد الغشمي 1978م في مكتبه بصنعاء بحقيبة ملغمة كانت من وحي تفكير استخبارات ألمانيا الشرقية وصناعة المخابرات الروسية.. وبعده بيومين فقط أعدمت الرئيس "الجنوبي" الثاني سالم ربيع علي 1978م بتهمة التآمر مع "الرجعية السعودية".. وما كاد يمر عامين على عهد الرئيس "الجنوبي" الثالث عبد الفتاح اسماعيل- مؤسس الحزب الاشتراكي اليمني- حتى تم التآمر عليه واقصائه ونفيه إلى موسكو 1980م.. ومع رحيل كل رئيس تدور طواحين التصفيات الدموية لاجتثاث أنصاره..


(ثقافة اليمن الجنوبي)، ترجمها علي سالم البيض شخصياً بأنصع صورها في 13/يناير/1986م، وكل من يتزعمون مشاريع التشطير ترجموا هذه الثقافة يومها.. حين تحاوروا داخل المكتب السياسي للحزب الاشتراكي بالرصاص، ثم خرجوا الى شوارع عدن يمارسون ديمقراطية الدبابات والمدافع، وانتقلوا إلى بقية مدن الجنوب ليمارسوا ثقافة الذبح بالبطاقات الشخصية، في قتال دموي طاحن أزهق خلال أقل من أسبوعين (11) ألف مواطن جنوبي.. ظلت جثثهم تغرق الشوارع، وتنهش بعضها الكلاب، وتعجن بعضها الآخر سرافات الدبابات وعجلات المركبات العسكرية، وكادت الكارثة أن تأتي على الجنوب برمته فلا تبقي به بشراً بسبب الأوبئة، لولا تدخل منظمتي الهلال والصليب الأحمر التي انتشلت الجيف وسلمت القتلى لأسرهم ودفنت المئات المتبقين بمقابر جماعية..


اليست هي ثقافة "الهولوكوست" يا علي سالم البيض، هي من تتحدث عنها من منبر قناة "الحرة"..!؟ أليست هذه هي ثقافة (اليمن الجنوبي) التي عرفكم بها التأريخ!؟ أليست هي الثقافة التي تتبجحون بها، وتدعون أنها "ليست كثقافة العراق أو الصومال"..!؟ نعم هي ليست كما ثقافة العراقيين أو الصوماليين، ولا حتى ثقافة النازييين.. فلم يسبق للنازيين أن ذبحوا (11) ألف يهودي من أبناء شعبهم في غضون أقل من أسبوعين، كما فعل نظام اليمن الجنوبي بالجنوبيين وذبح (11) ألف مواطن يمني مسلم بدم بارد.. ومازال يمتلك الوقاحة للوقوف أمام عدسات الفضائيات وادعاء البطولة، والنضال، والوطنية، ونعت بقية الشعوب بأنهم متخلفون..

(ثقافة اليمن الجنوبي)، يا سيد علي سالم، يعرفها العالم برمته.. فهي الثقافة التي سحلتم بها اليمنيين الجنوبيين في الشوارع، وعلقتم جثثهم على أعمدة الكهرباء.. هي الثقافة التي اعتقلتم بها الرجال من داخل غرف نومهم ودفنتموهم أحياء في الصحارى، أو ألقيتم بهم من فوق قمم الجبال... هي الثقافة التي اختطفتم بها العذارى من البيوت والمدارس ولا أحد يعلم أين ذهبتم بهن حتى اليوم- وبين يدي وثيقة صادرة عن الأمم المتحدة تدينكم باختطاف (100) شابة يمنية، فإن أردتم نشرها نشرناها ليطمئن العالم من (ثقافة اليمن الجنوبي)!


(ثقافة اليمن الجنوبي)، التي يفاخر بها "البيض" وبقية قادة "هولوكوست 86م"، ويصورون بها للرأي العام أن "اليمنيين" من أبناء المحافظات الشمالية "غجراً"، والعراقيين "همجاً"، وهم الأرقى.. هي ثقافة مدارس "باذيب" و"البدو الرحّل" و"النجمة الحمراء" التي اختطفوا لأجلها آلاف الفتيان والشباب من أبناء الأسر الفقيرة، وسلحوهم قهرياً ليزجوهم في حروب "المد الماركسي" تحت شعار تحرير الخليج من الرجعية.. فمن من أبناء المناطق الوسطى لا يعرف هذه الثقافة؟ أو ينسى "زوار الليل" الذين يأخذون الآباء رهائناً ليجبروا الابناء على الالتحاق بمليشيات الموت..!؟ ومن من أبناء الجنوب لا يعرف ثقافة السجون، والزنازين المدفونة تحت الأرض، أو قد نسى "تقارير الرفاق" الذين يتجسسون على زملائهم في الوظيفة، وحتى على بيوتهم.. فما زال الجنوب يحفظ عبارتهم الشهيرة (نخفيك وراء الشمس)!؟


إن لمن السخرية بمكان أن يتحدث "البيض" عن الإرهاب، ويقول أن في "اليمن الجنوبي": (مش مقبول عندنا نحن أي شكل من أشكال عمل الإرهاب).. كما لو أنه نسي أن (اليمن الجنوبي) كانت مدرجة ضمن القائمة الأمريكية للدول الإرهابية، ولم يرفع اسمها من القائمة إلاّ في شهر يناير 1990م، خلال زيارة الرئيس علي عبد الله صالح للولايات المتحدة الأمريكية، الذي اقنع الأمريكان بشطب اسم (اليمن الجنوبي) من قوائم الارهاب لأن الوحدة اليمنية ستكون المحطة الختامية للوجود الماركسي في منطقة الجزيرة العربية..


وربما أيضاً نسي "البيض" وهو يحدث العالم عن (ثقافة اليمن الجنوبي)، أن يتذكر أن الجامعة العربية أصدرت قرار مقاطعة لليمن الجنوبي بعد موجة الاغتيالات التي نفذها النظام الجنوبي بحق زعماء الشمال والجنوب أواخر السبعينات، وظلت "اليمن الجنوبي" تعيش في عزلة عربية كاملة، حتى تقدم الرئيس علي عبد الله صالح أواخر الثمانينات لمؤتمر القمة العربية بطلب لرفع المقاطة وكسر العزلة، من أجل الدفع بالمفاوضات على مسار الوحدة اليمنية، وقد تم له ذلك..


ولكي يتذكر السيد "البيض" أي ثقافة هي (ثقافة اليمن الجنوبي)، فليعد بذاكرته قليلاً الى ما قبل الوحدة بعامين، وبالضبط الى شهر مايو 1988م، حين عزمت لجان الوحدة بين الشطرين استئناف حواراتها بعد أن عطلها "هولوكوست 13 يناير 86م"، فإن السيد "البيض" رفض حضور الاجتماع الذي كان مقرراً بصنعاء، مشترطاً طرد الرئيس علي ناصر محمد وكل القيادات الجنوبية التي لجأت إلى شطر الشمال بعد هزيمتها في "هولوكوست يناير 86م"، وإغلاق معسكر "السوادية" الذي تم فتحه لكل الفارون من مجازر نظام "البيض" الذي استولى على السلطة... فتلك هي (ثقافة اليمن الجنوبي) التي نساها "البيض"، ونسى أنها ثقافة انتقامية حاقدة، كان الرئيس علي عبد الله صالح، وابناء المحافظات الشمالية أرفع من أن يمارسون أحقادها مع المهزومين من حرب الانفصال عام 1994م..


فأي ثقافة تلك التي يتحدث عنها "البيض"، ويؤجج بها رياح العنصرية بين أبناء اليمن..؟ فهل نسي أنه أول من رفع شعار (لا بكالوريوس، لا ما جستير، لا...) في عدن، ليتساوى الناس بجهله وشهادته المتوسطة؟ أم صدق أن على وجه الأرض شعب يتظاهر هاتفاً: (تخفيض الراتب واجب)؛ وتتم مساءلة أبنائه حول كل قرش: من أين لك هذا؟ بينما- صاحب الفخامة- يرفد زوج ابنته بـ(20) مليون دولار، وينفق على حفل الخطوبة (5) ملايين دولار.. وعندما تأججت الخلافات داخل أسرته بسبب عبثه بالمال، راح يوزع: (100) مليون لزوجته الثانية، و( 100) مليون لإبنه عمر، و(50) مليون لكل واحد من أبنائه (عدنان، فيصل، نايف، ينوف)، و(50) مليون لزوجته الأولى وابنتها... فهذه هي (ثقافة اليمن الجنوبي) التي على السيد "البيض" أن يتحدث عنها وهو يقارن ثقافته السياسية بثقافة من يصفهم بـ"غجر" العراق، أو "دحابشة" الشمال..!


إن كان السيد "البيض" وبقية قادة "هولوكوست 86م" قد قرروا من داخل فنادق أوروبا اللعب بورقة التمييز الثقافي العنصري بين أبناء المحافظات الشمالية والجنوبية، وتأجيج الكراهية، وإشعال الفتن، وإعادة تسويق أنفسهم بخطابات عاطفية منمقة بقلم السيد أحمد عمر بن فريد، فما أظنهم إلاّ أول المحترقين في نيران الفتنة، لأن صدور اليمنيين حبلى بالملفات السوداء، والقصص الدامية.. ولأن الشعب اليمني- شمالاً وجنوباً- قد تداخلت دمائه منذ يوم خلقه الله، ولم يعد بوسع المتاجرين بدماء الشهداء، والأوطان، فصل دمائه- حتى لو أتوا على ظهور البارجات الأمريكية..


إن أكبر حماقات "البيض" منذ حرب الانفصال في 94م وحتى إنبعاثه الجديد من الأجداث بعد (15) عاماً من العزلة، هو أنه بدلاً من استغلال زخم المعارضة في الشطر الشمالي، ودعمها القوي لحقوق أبناء الجنوب، ركب موجة الغرور، وعاد محملاً بالأحقاد على أبناء المحافظات الشمالية، ساخراً من ثقافتهم، متعالياً بـ(ثقافة اليمن الجنوبي).. وهذا وحده كافياً لتعرف السلطة أنه عائد طلباً للمال وليس من أجل الحكم، لأنه على يقين أن السلطة لم تعد ملكاً للرئيس صالح ليمنحه إياها، بل أن الشعب هو من يهبها لمن يستحقها.. وحتماً لن يعرضها في مزادات لندن، ودوائر المخابرات العالمية!؟

ملاحظـــة: نقصد بـ(ثقافة اليمن الجنوبي) ثقافة النظام في الجنوب سابقا (هذا موضوع الاستاذ نزار العبادي) وقد عرضتة لانة موضوع جيد ومفيد وفية حقائق عظيمة