يتألم أحدنا حين يثق ببعض الناس ويبثه أسراره ,
ثم يكتشف فجأة أن ذلك البعض ليس أهلا للثقة ,
ولا خزينة أمينة للأسرار ,
ولم يكن يستحق منذ البداية مجرد الاهتمام
ناهيك عن الاحتفاء به وفتح حجرات
قلبك له ليسكنها كما تسكن الحنايا قلب الإنسان .
والأدهى من ذلك حين تسعى إليه بملء أشواقك
وخواطرك لترتاح في روضته ,
فإذا بك تكتشف أن تلك الروضة مليئة بالأشواك
والمصائد التي نصبت لاصطياد
مكنوناتك لصبها في أذان الوشاة والخصوم ,
وذلك ـ للأسف ـ مقابل ثمن بخس
قد يكون حقيقيا وقد لا يكون إلا مجرد
وهم وسراب فلا يعود صاحبه حتى بخفي حنين
.
والغريب أنك حين تصد عن أمثال هؤلاء
وتترفع عن مجالستهم أو مواجهتهم فإنهم
ينزلقون إلى هاوية اتهامك بالجبن والضعف وغيرهما
من الأوصاف الذميمة التي يمتلئ بها قاموس ثقافتهم الهشة .
إن التلاعب بمشاعر الناس أمر مستهجن
منكور لا يمكن أن يقوم به
إلا إنسان مريض مشوه القلب
ضعيف الفكر يستغل القلوب
البريئة لتحقيق أغراض دنيئة
دون عابئ بآداب الاتصال والتواصل مع
الآخرين فيظهر لك بمظهر الملاك وهو في سراديب
نفسه المظلمة شيطان رجيم ..
فليحذر الواحد منا أمثال هؤلاء المخادعين
بعد أن يكتشف حقيقتهم النكراء ,
طالما يستحيل الكشف عنهم منذ أول وهلة
بسبب براعتهم في التقنع بلثام البراءة
والســـماحة والوقار .
ولا نقول بسوء الظن بالناس أبدا ,
لأن الأصل في الإنسان هو الطيب والكرم ,
وليس الخبث واللؤم ,
لكن بعض النفوس قد تنحرف عن الجادة
والفطرة السوية فتحاول خداع الآخرين والتغرير بهم
وتتصور أنها تخدع غيرها بينما في واقع الأمر لا تخدع إلا نفسها
ولا ترى الآخرين إلا من خلال طبعها المتأصل
أو انحرافها العارض فتتصور الشر
في كل الخلائق وتسيء الظن بالجميع ! .
ولولا أن في المقابل نفوسا كريمة وقلوبا حنونة
وعقولا راجحة نتحاور معها ونهدأ عند ضفافها
ونرتاح في سكون رياضها لاستحالت الحياة إلى جحيم ,
ولكن رحمة الله أبت إلا أن تقرن الخير والحب
والجمال بأضدادها لتتميز الأشياء
ويدرك الإنسان معانيها بجلاء ووضوح
ويستبين أهمية القيم الجميلة والأخلاق الفاضلة
في توازن الإنسان وسيره في الحياة الصعبة
ومواصلة مشوارها
حتى النهـاية .
إن الحياة بلا قيم ومبادئ لا تساوي شيئا ,
وتبدو لنا متجهمة كئيبة في جحيم غيابها ,
مما يحتم علينا جميعا أن نبني جسور الثقة
وحسن الظن بالآخرين وأن نلقي بذور الأمل
والتفاؤل في النفوس القاحلة الجرداء .