هيا معًا نبحر في بحار الرضا، ونستصحب معنا نماذج من الراضين حتى يكونوا لنا نبراسًا يضيء لنا الطريق . هيا ضعي يدك في يدي ولنبدأ على بركة الله، وقبل أن نبدأ خذي نفسًا عميقًا، واستشعري أنَّ الله معك .. يراك ويسمعك، واهتفي من أعماق قلبك، ورددي مع النبي الكريم هذه الزفرة المؤمنة الموقنة: (رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً ) . وتذكري أنَّ لك جائزةً من الله تعالى أخبرنا بها نبيه صلى الله عليه وسلم حين قال: ( من قَالَ حيَن يُمسي رضيتُ بالله ربَّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبيًّا كان حقًّا على الله أن يرضيه ) [رواه الترمذي بسندٍ حسن ] . فعلى الإنسان أن يقنع بما قدَّره الله عزَّ وجلَّ له، فإن كان معافى في جسده من الأمراض، ويعيش في أمانٍ دون خوف، ويملك قوت يومه فلا يبيت جوعان، وجب عليه -بهذه النعم الثلاث- أن يحمد الله حمد الراضين، وليتذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنَّما حيزت له الدنيا) رواه الترمذي وقال حديثٌ حسنٌ . وفى الحديث القدسي: (إن اللّه يقول: يا ابن آدم، تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً وأسدَّ فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً ولم أسدَّ فقرك) رواه الترمذي وقال حديث حسن . وقد قال الله تعالى وهو يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: { لا نسألك رزقًا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} ، وقال: { وما من دابَّةٍ في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرَّها ومستودعها كلٌّ في كتابٍ مبينٍ } . فماذا نحن فاعلون وقد قدَّر الله تعالى كل شيءٍ وكان له الأمر من قبل ومن بعد ؟ فماذا بقى للإنسان بعد هذه الأربعة ؟! نجومٌ على طريق الرضا : * عمران بن حصين رضي الله عنه وأرضاه، هذا الصحابي الجليل الذي شارك مع النبي في الغزوات، وإذ به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يصاب بشللٍ يقعده تمامًا عن الحركة، ويستمر معه المرض مدة ثلاثين سنة، حتى أنَّهم نقبوا له في سريره حتى يقضى حاجته، فدخل عليه بعض الصحابة.. فلما رأوه بكوا، فنظر إليهم وقال: أنتم تبكون، أما أنا فراضٍ.. أحبُّ ما أحبه الله، وأرضى بما ارتضاه الله، وأسعد بما اختاره الله، وأشهدكم أنِّي راضٍ . * عروة بن الزبير، فقد توفى ابنه وفاةً غاية في الصعوبة إذ دهسته الخيل بأقدامها، وقُطِعت قدم عروة في نفس يوم الوفاة، فاحتار الناس على أي شيءٍ يعزونه.. على فقد ابنه أم على قطع رجله؟ فدخلوا عليه، فقال: "اللهم لك الحمد، أعطيتني أربعة أعضاء.. أخذت واحدًا وتركت ثلاثة.. فلك الحمد؛ وكان لي سبعة أبناء.. أخذت واحدًا وأبقيت ستة.. فلك الحمد؛ لك الحمد على ما أعطيت، ولك الحمد على ما أخذت، أشهدكم أنِّى راضٍ عن ربي " . فهل ترضى أختي بما رضيه الله لك ؟! أختي الحبيبة : هنا ينتهي مكان الدنيا بما فيها من تعبٍ ونصبٍ ومرضٍ و...، لو أيقن العبد بذلك لكان في استقبال البلاء فرحا، إذ هو يرفع درجته عند الله إذا صبر، أفلا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَّ الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي له الرضا، ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن . فدعونا نردد مع الشاعر قوله : فليتك تحلو والحيــاة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضابُ وليت الذي بيني وبينك عامرًا *** وبيني وبين العالمين خرابُ إذا صحَّ منك الودُّ فالكلُّ هيِّنٌ *** وكل الذي فوق التراب تراب ونتضرَّع إلى الله ونقول : إلهي؛ لا تغضب عليَّ فلست أقوى لغضبك، ولا تسخط عليَّ فلست أقوم لسخطك، فلقد أصبتُ من الذنوب ما قد عرفتَ، وأسرفتُ على نفسي بما قد علمتَ، فاجعلني عبدًا إما طائعًا فأكرمتَه، وإمَّا عاصيًا فرحمته .. اللهم آمين . |
عدل سابقا من قبل ثلا في الأربعاء 15 أكتوبر 2008, 4:59 pm عدل 3 مرات