ما زال موضوع التدخين يحظى باهتمام عالمي ، وما زالت الدراسات الحديثة تؤكد أن مخاطر التدخين على صحة الإنسان لا يمكن حصرها ، وفي حقيقة الأمر فإن نبته التبغ تعتبر من أكثر النباتات إثارة للنقاش والاختلاف ، وقد خضعت هذه النبتة الصغيرة للكثير من الدراسات العلمية والتحاليل المخبرية.

إن عادة التدخين قد عرفها سكان أمريكيا الأصليين منذ أكثر من ألفي عام ، وفي 15 تشرين أول / أكتوبر من عام 1492 ، عرف المكتشف كريستوفر كولومبس والطاقم المرافق له عادة التدخين ونقلوها إلى بلادهم لاحقا ، وفي منتصف القرن السادس عشر ، كانت نبتة التبغ قد تم نشرها في كافة أنحاء العالم .

توالت بعد ذلك الملاحظات والأقوال حول مخاطر عادة تدخين التبغ ، وفي عام 1912 تم الإعلان لأول مرة عن العلاقة المباشرة بين مرض السرطان وتدخين التبغ ، وفي عام 1953 أثبت الدكتور أرنست وايندرز أن مسح ظهور فئران التجارب بالقطران الناتج عن حرق التبغ ، يؤدي إلى نمو الأورام السرطانية على أجسامها.

إن تاريخ التدخين ومدى انتشار هذه العادة في العالم ، قد شهد عبر التاريخ ازدهارا كبيرا وتراجعا حادا ، فقد دلت الدراسات أن عقد السبعينيات من القرن الماضي هو العقد الذهبي لانتشار هذه العادة الخطيرة في العالم ، ونظرا لزيادة الوعي الصحي ، وارتفاع الأصوات الخيرة عالمية والمطالبة بضرورة محاربة هذه الآفة الخطيرة ، فقد انخفض بشكل حاد استهلاك السجائر عالميا بالمقارنة بعدد السكان ، ويبين الرسم التالي استهلاك السجائر في بريطانيا منذ عام 1910 حتى عام 2000




إن ما يلفت الانتباه عند دراستنا لانتشار هذه العادة الضارة في العالم ، أن أعداد المدخنين في الدول المتقدمة قد شهد تناقصا كبيرا ، وفي المقابل نجد أعداد المدخنين في الدول النامية والمتخلفة تشهد تزايدا كبيرا وحادا ، حتى أن بعض تقارير منظمة الصحة العالمية تؤكد انه في منتصف عشرينيات القرن الحالي سيكون 85% من المدخنين من بلدان العالم الفقيرة والمتخلفة ، أيضا تؤكد هذه التقارير أن نصف عدد البالغين في هذه الدول – حاليا – هم من المدخنين وأنه ما زالت ترتبط في أذهان الشباب فكرة أن الرجولة الحقيقية لا تكتمل إلا بوجود سيجارة مشتعلة بين الشفتين.


مخاطر صحية أكيدة
يؤكد الخبراء والمختصون أن تدخين سيجارة واحدة ينقص من عمر مدخنها عشر دقائق ، كما يؤكدون على انه خلال ال 25 سنة القادمة ، ستتسبب هذه الآفة في قتل 200 إلى 300 مليون إنسان .

إن الأمانة العلمية تفرض علينا أن نوضح أن أول إثبات علمي بخطر التدخين وارتباطه بمرض السرطان وبعض أمراض القلب الأخرى ، كان إبان العهد النازي ، وقد استند هذا الإثبات العلمي على ألاف الدراسات المسحية ، والتي بينت العلاقة القوية بين التدخين والإصابة بأنواع محددة من السرطان وخاصة سرطان الرئة والفم والحنجرة والبنكرياس والمريء والمثانة ، بالإضافة إلى ارتباط عادة التدخين بأمراض أخرى مثل أمراض الشرايين التاجية في القلب وأمراض الجهاز التنفسي بوجه عام ، وعشرات الأمراض الخطيرة والمدمرة لصحة الإنسان ولحياته.



الترويج والإعلان
كرست شركات التبغ العالمية جل اهتمامها للترويج لهذه الآفة الخطيرة ، وطمس الحقائق العلمية الأكيدة ، كما لجأت إلى جذب أعداد كبيرة من البشر لتجريب منتجاتهم والاستمتاع بعادة التدخين ، و اعتمدت هذه الشركات أولا على أسلوب إضافة بعض المواد الكيميائية إلى التبغ من أجل تحقيق درجة اكبر من الإدمان ، وقدرت إحدى الدراسات أن شركات التبغ العالمية تضيف أكثر من 600 مادة إلى سجائرها لإكسابها نكهة مميزة ولتحقيق نوع من الإدمان على تدخين سجائرهم وخاصة لدى صغار السن والشباب .

ثم عمدت هذه الشركات إلى استخدام كافة الوسائل الإعلانية والتي تصور عادة التدخين بأنها سلوك حضاري ممتع ، وأن السجائر تكسب مدخنيها مزيدا من الجمال والذكاء والإثارة والشباب والحيوية ، وان ما يقال عن مخاطر هذه العادة هو مجرد تخمينات لا ترقى إلى درجة اليقين ، ومن اجل تأكيد هذه المقولة المغلوطة ، دعمت شركات التبغ العالمية بعض النشاطات الرياضية كسباقات السيارات الدولية ، كما صورت بعض المدخنين وهم يمتطون خيولهم ويمرحون ويمارسون أشق الرياضات البدنية ، ومن الطريف أن اشهر ممثلين سينمائيين عملا في الدعاية لشركة مارلبورو قد توفيا بسرطان الرئة الناجم عن التدخين .

إن ما سوف يحمله لنا المستقبل من أخبار حول مدى انتشار عادة التدخين ، لا يبشر بخير وخصوصا بالنسبة لدول العالم الثالث ، ( إفريقيا ، أسيا ، أميركا اللاتينية ، أوروبا الشرقية ) ، فقد وجد أن نشاط شركات التبغ العالمية قد توجهت بشكل شرس نحو أسواق هذه الدول والتي يقل فيها الوعي الصحي بين مواطنيها ، وطبقا لتقارير منظمة الصحة العالمية والتي تؤكد على انه في الثلث الأول من هذا القرن ، سوف تنخفض أعداد المدخنين في الدول المتقدمة كما سوف تزداد بشكل كبير أعدادهم في الدول النامية والمتخلفة